جراءة نيوز - د. اسماعيل مطالقة يكتب -
استنادا على عدد الفحوصات الإيجابية التي ظهرت خلال الأسبوعين الماضيين فإننا لا شك قد دخلنا في الأردن مرحلة جديدة من مراحل انتشار فيروس كورونا وهي مرحلة الانتشار المجتمعي. الواقع الوبائي الحالي كان متوقعًا ودون أن يكون بالإمكان تلافيه بشكل كامل رغم الإجراءات المبكرة في الاغلاق الشامل ومحاولات تسطيح المنحنى الوبائي تجنبا لإرهاق وتحدي النظام الصحي واستثمارا لمزيد من الوقت لرفع الجاهزية الطبية على كافة المستويات.
وقبل الشروع في تفاصيل متعلقة بإجراء الفحوصات المخبرية وسياساتها فانه لا بد أن نؤسس بشكل علمي صحيح مبني على الدليل من خلال إقرار الحقائق التالية:
1.فيروس كورونا موجود وهو حقيقة وليس وهما (بصرف النظر عن وجود نظرية مؤامرة أو عدم وجودها) ونتعامل معه في المختبر ويتم الكشف عنه من خلال استخدام المؤشرات المخبرية التي تثبت وجود المادة الوراثية الخاصة به.
2.نحن لسنا بمعزل عن العالم الذي نشاركه الماء والغذاء والدواء والاقتصاد والصناعة والسفر وكل شيء، ومن الصعوبة بمكان أن نحيط أنفسنا بستار حديدي لا ينفذ الفيروس إلينا من خلاله.
3.لم يثبت حتى الان بشكل سريري وعلمي دقيق فعالية أو نجاعة أي من اللقاحات قيد البحث والدراسة، وما تزال المحاولات في كافة أنحاء العالم مستمرة وحثيثة ومن خلال أعرق المؤسسات الطبية والبحثية لتصنيع مثل هذا اللقاح.
4.تداول واستخدم الأطباء في كل أنحاء العالم عددا كبيرا من الأدوية الموجودة سابقا والتي صنفت أنها يمكن أن تساهم في تخفيف حدة وأعراض الفيروس بشكل متفاوت ودون الوصول حتى هذه اللحظة الى دواء محدد وخاص وفعال لمعالجة فيروس كورونا.
5.أثبتت دراسات تشريح ما بعد الوفاة والتي أجريت في العديد من الدول التي شهدت أعدادا مرتفعة من إصابات الفيروس والوفيات المتعلقة به وجود نمطين سائدين في الرئة أحدهما إصابة الرئة الحادة والآخر يتمثل في تشكل تخثرات دموية صغيرة داخل الاوعية الدموية في الرئة المصابة وآخر هذه الدراسات صدرت قبل أسبوع تقريبا من جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك لأربعين حالة تم تشريحها تشريحا كاملا.
6.رغم الطفرة التي حدثت في مجال الفحوصات المخبرية خلال الأشهر الماضية ودخول الشركات العالمية في سباق محموم لإنتاج فحوصات مختلفة ترتكز على منهجيات عدة، الا أن فحص (rRT-PCR) ما زال هو الفحص المعياري الوحيد المعتمد الذي يُركن اليه في تأكيد وجود المادة الوراثية للفيروس في الانسان، حيث لم تثبت حساسية ودقة الفحوصات السريعة التي استندت على كشف بروتينات الفيروس واستبعدت من معظم البروتوكولات المعتمدة عالميا، كما اثبتت الدراسات أن الأجسام المضادة للفيروس والتي يصنعها الجهاز المناعي للجسم لمقاومته تستمر لفترات متفاوتة تتراوح بين أسابيع وأشهر ولا تصل في أقصى حدودها الى عام حيث يتلاشى وجودها بعد ذلك في الدم، ولم تصل نسبة وجود هذه الاجسام المضادة في المجتمعات التي انتشر فيها الوباء انتشارا كبيرا في بداية الجائحة -مثل الصين واسبانيا وإيطاليا- أكثر من 10% من المجتمع مما يدلل على صعوبة الوصول الى حالة مناعة مجتمعية.
بعد خبرة قاربت العام من التعامل مع الجائحة ومن خلال العديد من الدراسات العلمية التي تفاوتت في طروحاتها فقد ثبت حتى هذه اللحظة أن أهم العوامل التي تساعد في السيطرة على انتشار الجائحة والفيروس هي في جلها إجراءات بسيطة وتوفر وقاية من الإصابة بالفيروس الى حد كبير يقارب استخدام اللقاح وتتمثل هذه الإجراءات بالخطوات التالية:
أ.اتخاذ كافة إجراءات الوقاية الشخصية مثل ارتداء الكمامة بالطريقة الصحيحة وغسل اليدين المستمر
ب.التباعد الاجتماعي واتباع إجراءات السلامة العامة وتجنب التجمعات المكتظة والأماكن المغلقة قدر الإمكان.
ت.حماية أفراد المجتمع من أصحاب عوامل الاختطار العالية والأكثر عرضة للإصابة بالفيروسات والعدوى بشكل عام مثل مرضى السرطان والسكري والقلب والمناعة وغيرها.
ث.اجراء الفحوصات المخبرية الموسعة والموجهة في اطارها وشكلها الصحيح حيث إن الفحوصات المخبرية المتعلقة بكشف فيروس كورونا -وخصوصا الفحص المعياري والمعتمد الوحيد حتى الان( PCR)- شأنها شأن كل الفحوصات المخبرية لا بد من ضبطها ومعايرتها والمحافظة على جودتها من خلال بروتوكولات خاصة بها.
وفي هذا الاطار ومع كل التقدير والاحترام للجهود التي بذلتها وزارة الصحة والقطاعين العام والخاص في رفع قدراتها وجاهزيتها لإجراء الفحوصات المخبرية خلال فترة زمنية قياسية حيث وصل عدد هذه الفحوصات الى حوالي 13000 فحص يوميا بعدما كانت لا تزيد عن بضع مئات في بداية دخول الجائحة الى الأردن الا أنه وفي ظل اعلان منظمة الصحة العالمية عن استمرار هذه الجائحة لمدة عامين على الأقل وفي ظل تزايد عدد الفحوصات الإيجابية فانه لا بد من وجود استراتيجية وطنية شاملة في المملكة لإجراء الفحوصات المخبرية لفايروس كورونا COVID-19 وفيروسات الانفلونزا الموسمية التي بدأت تطرق أبوابنا تقوم على الأسس التالية:
1.اعداد قاعدة بيانات وطنية بشكل مؤسسي مؤطر تشمل توثيق كافة الإمكانيات المتوفرة في القطاع الصحي في المملكة من أجهزة ومواد مخبرية وكواشف وكوادر بشرية مدربة.
2.وضع خطة استجابة مخبرية متغيرة حسب الواقع الوبائي.
3.اعداد دليل اجراءات مفصل ودقيق لإجراء الفحص (SOPs) يخضع للتحديث والتطوير باستمرار ويتم العمل بمقتضاه بشكل موحد ومتجانس من قبل جميع المختبرات التي تقوم بإجراء هذه الفحوصات ويكون متاحا لجميع المختبرات من خلال منصة الكترونية خاصة.
4.وضع برنامج لضمان الجودة النوعية لمتابعة أداء عمل المختبرات التي تجري الفحص وضمان استخراج نتائج دقيقة.
5.المراجعة النقدية المستمرة لنتائج الفحوصات المخبرية بشكل دوري وتزويد المختبرات العاملة بالتغذية الراجعة.
6.الاستمرار في رفع الطاقة التشغيلية للمختبرات الوطنية في كافة القطاعات وفق منهجية واضحة وصحيحة.
7.وضع خطط قصيرة وبعيدة الأمد لتدريب الكوادر في مجالات الفحوصات الجزيئية (PCR) والفحوصات المتعلقة بالوباء.
8.الاطلاع اليومي المستمر على المستجدات العالمية في مجال الفحوصات المخبرية لفيروس كورونا ودراستها علميا بشكل وافٍ لتبني الفاعل والدقيق والحساس منها وتعديل دليل الإجراءات وفق ذلك.
9.وضع بروتوكولات واضحة حول الطرق الصحيحة لجمع العينات وشروط كفايتها من أجل اجراء الفحص المخبري وطرق نقلها وحفظها والوقاية من خطر التعامل معها بشكل صحيح ويستند الى المعايير والممارسات المعتمدة.
10.رفع طاقة وفاعلية فرق الاستقصاء الوبائي من خلال الاستخدام الأمثل لجيش من أطباء الامتياز والأطباء غير العاملين المنتظرين على قوائم التعيين في ديوان الخدمة المدنية وذلك من خلال تدريبهم على أخذ العينات والتعامل معها وإدخال البيانات بطريقة صحيحة والتواصل مع الجمهور وتقديم النصائح والارشادات السليمة من خلال خطوط ساخنة لهذه الغاية وذلك مقابل مكافئة مالية مجزية.
11.استحداث آلية واضحة للتعامل مع المرضى الذين تم أخذ العينات منهم أو بانتظار ذلك، وطريقة تبليغ فاعلة وسريعة عن نتائج العينات، ويمكن استخدام وسائل التواصل الالكترونية مثل الرسائل النصية أو الواتساب أو البريد الالكتروني.
12.وضع الاشتراطات الخاصة بتجهيزات المختبرات لضمان جودة العمل وحماية العاملين في القطاع المخبري من خطر الإصابة بالفيروس.
13.تحديد الفئات المستهدفة بالفحص من خلال بروتوكولات خاضعة للتحديث والتطوير وتستند الى الأدلة العلمية والممارسات الفضلى المعتمدة عالميا، وإتاحة هذه البروتوكولات لعامة الناس.
سيمثل انشاء مختبر وطني مرجعي لفحوصات الأمراض المعدية والوبائية ذراعا أساسيةً لتنفيذ هذه الإستراتيجية وتطويرها وتحسينها باستمرار ضمن المعايير والمقاييس العالمية.
المشهد بكل تفاصيله بما مضى وما هو آت يستدعي الكثير من الحكمة والرشد واجراء المراجعات النقدية الوازنة للقرارات بكل اشكالها لرسم خارطة طريق تتفادى مزيدا من الخسائر وتعين على تعويض ما كان، لقد علمتنا كورونا أن البحث عن الحق والحقيقة بين ركام التجميل والتشويه والتهويل والتهوين والمنافع والمفاسد هو المهمة الأكثر صعوبة وتعقيدا، والعاقل من اتعظ بنفسه وبغيره.
علمتنا تجارب الدول الأخرى رغم محدودية الزمن أن على كل دولة تطوير نموذجها الخاص بما يحقق التوازن بين الصحة وحركة الحياة والاقتصاد، حيث ما كان التوسط والاعتدال والرشد في اتخاذ القرارات الا زانها وما نزع منها الا شانها، والعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات.
اللهم ارفع عنا البلاء وادفع الوباء ونسألك رحمتك التي وسعت كل شيء. حمى الله الوطن وأبناءه وجيشه وأمنه وكوادره الصحية ومؤسساته وقيادته الهاشمية الحكيمة.