الفتنة تدبير أم إلهام صدق ربّ العزّة عندما قال في كتابه الكريم وَالفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْل حيث انها في اوائل العصر الاسلامي كانت تؤدّي الى رجوع المسلمين عن اسلامهم وبالتالي تؤدي الى قتلهم كحروب الردّة والفتنة على ام المؤمنين وغيرها أمّا اليوم فهي تؤدّي الى موت العديد من البشر كردّات فعل لاحاديث متناقلة او اعمال مُفتعلة .
وقد تكون الفتنة من تدبير مجموعات او دول وتهدف الى تغييرات قد تكون جذرية او على اهميّة كبرى في حياة المجتمعات ويبدأ تنفيذ الفتنة من اعمال قد تبدوا فردية ثم يبدأ النسج حولها والتفاعل معها بحيث يكبر محيطها شيئا فشيئا حتى تعم الفوضى والانتقام والثأر والهيجان وثم يضيع الفاعل وتبقى التغييرات الحاصلة على ارض الواقع ويكون قد تحقّق الهدف او الجزأ الاكبر منه حيث يتم بعدها جبر الخواطر وتهدئة النفوس ومع الزمن يبدأ التعايش مع نتائج الفتنة وكأنّها مسلّمات في الحياة.
وللتدبير من اجل الفتنة في الشعوب والدول يحتاج اهل الشرْ الى ازمان طويلة ليدخلوا الى ثقافة الشعب المُستهدف وديانته وعاداته ومفاهيمه الاجتماعية ودرجة تعليمه ووعيه وقوّة ملاحظته وسرعة تجاوبه ورد فعله وعلاقات الدولة مع غيرها وتورّط الافراد مع الاحزاب والقوى الداخلية والخارجيّة وقوّة الحكم في البلد ومدى شعبيّته بين المواطنين كل تلك المعايير والعوامل تأخذها الجهة المخطّطة للفتنة عند وضع خططها لتدد الازمان المناسبة لكل مرحلة من التمهيد للفتنة وانتشارها مع دراسة وتقييم كل مرحلة واستخدام البدائل حيث يلزم وفي الوقت المناسب.
وفي الغالب تكون اهداف الفتنة غير معلنة بل قد تستخدم وسائل اعلام لنشر بعض الاهداف لغرض التمويه والابتعاد عن الهدف الرئيسي المقصود فمثلا اذا كان الهدف الرئيس لدولة كبرى تقسيم دولة نامية الى دويلات صغيرة على اساس طائفي او قومي او عنصري تبدأ بحملات للحديث عن وحدة الارض والشعب وثم تفتعل حروبا في تلك الدولة وتحدد اهدافا لتلك الحرب تُظهرفيها فوائد لبعض الجماعات او المحافظات او لاقاليم في تلك الدولة من نواحي اقليمية او طائفية او عرقية او دينية او قومية.
وتبرز تلك الفوائد للناس على انها لا تتحقق الا بالقوة والانفراد بدولة مستقلّة وهكذا تدغدغ عقول وغرور الافراد وخاصّة النشيطين حزبيا او ثقافيا او سياسيا لتحقيق تلك الاحلام التي كانت نائمة لتظهر على السطح وتأخذ مكانها شيئا فشيئا على ارض الواقع بحيث بمرور زمن قصير تُصبح هي الاهداف التي يجب ان تحارب من اجلها تلك المجموعة المستهدفة وينمحي حلم التوحد في الدولة الام ويصبح الاستقلال وهو في الحقيقة التفسّخ هو الهدف.
وقد تُستخدم الوحدة كطعم من اجل الانقسام كما كانت حالة السودان وجنوب السودان وكذلك حالة اليمن التي لم تنتهي حتى الان ،او قد تكون بالعكس حروب من اجل الاستقلال تاخذ وقتا ثم تاخذ الوضع الكونفودورالي مع الاستقلال الاقتصادي بالتدريج حتى مرحلة الاستقلال كما يحدث الان في العراق او اشكالا اخرى كما يحدث في ليبيا وسوريا الان وقد يكون في غيرهما ايضا.
وأمّا إذا كانت الفتنة جاءت نتيجة إلهام من طائفة من اهل الوطن او حكومته لاغراض خاصّة فتلك مصيبة لان الدمار سيطال الوطن والمواطنين وثقافتهم واولوياتهم ومقدّرات البلد وممتلكات المواطنين ووسائل رزقهم،ومن اكبر الفتن هي تلك االفتنة التي افتعلتها امريكا قبل 11 عاما فيما اطلقت عليه الحرب على الارهاب وفعليا كانت هي اثارة الفتن للحرب على الاسلام بدءا من العراق وافغانستان وانسحبت على دولا اخرى منها دول الربيع الدامي الحالي كما كانت في اليمن والسعودية ودول المغرب العربي ويجب ان يُسجّل العرب ذلك التاريخ اليوم الحادي عشر من ايلول من عام 2001 كوعد بلفور او سايكس بيكو.
والفتنة سواء كانت مدبرة اوالهامية اشد من القتل لانها اداة ذات قتل جماعي لشعوب وجماعات وطوائف من مختلف الاطراف وبالتالي الخسارة تقع على المجتمع ككل وتدمر اوطانا وتخلق بؤر نزاعات جديدة وعندما تستفحل الفتنة يبدأ الحديث عن حرب اهلية تجرد الاخضر واليابس وبعدها يحتاج المجتمع عدة سنوات لاسترداد عافيته في اصل الاوطان او انقساماتها .
وهنا يأتي دور العقلاء والعلماء والحكماء في توعية عامّة الناس غبر المبرمجين سياسيا او حزبيا ليقفوا بعنف امام تلك الفتن ما ظهر منها وما بطنْ ويجب ان يرموا جانبا احساس الخوف واللامسؤلية والاتكالية ويجب ان يشعروا انهم واولادهم ووطنهم بخطر .
(إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) صدق الله العظيم .