أرفض الانجرار وراء أي دعوة للصدام بين الشعب والحكومة منطلقا من المصلحة الوطنية الفلسطينية ذاتها لأكثر من سبب ، أولها فلسطين تمر بمرحلة انتقالية صعبة ومازلنا في انتظار أن تنهي الإطراف الانقسام وتتوحد السلطة في فلسطين وتكون هناك حكومة موحدة منتخبة تمثل الشعب الفلسطيني وإرادته وترعى مصالحه الداخلية ، الاقتصادية والسياسية ، وحول العالم من خلال إستراتيجية واضحة وإيجابية نحو مستقبل أفضل لفلسطين .
ثانيا ما زلنا نعيش المرحلة الانتقالية منذ أوسلو ونواجه تحديات عديدة داخليا وخارجيا، ففي الداخل لدينا مشاكل مع الاحتلال وتهويد القدس والاستيطان ، وتحديات الاقتصاد وتحديات التحول السياسي نحو الديمقراطية ، وفي الخارج أصبح لدينا وضع يمر بتحول عاصف قد يتعرض لقلاقل في حالة تدهور الأوضاع في مباحثات السلام فينعكس ذلك بتدهور الوضع المادي لدى السلطة ، فلموظف لا يحصل على راتبه ، وهذا لا يتمناه المواطن ، يعني أصبح همنا فقط كيف يمكننا تامين الرواتب .
وفي ظل هذه الأوضاع أصبحنا نستسلم لواقع يقول لا تحتاج فلسطين وحكومتها مشاكل إضافية خاصة مع الدول المانحة ودولة مثل أميركا تمسك بأصابعها خيوط اللعبة السياسية بالمنطقة ، وهي التي تتحكم بحل وتأزم القضايا الدولية ، وقضية فلسطين سياسيا واقتصاديا وأمنيا، أصبحت تستسلم لهذا الواقع من الحصول على المنح وقروض دولية من اجل ما يسمى بالرواتب ، لهذا يجب أن يمر بقنوات واشنطن حتى لو كانت هذه المنح من دولة عربية.
ثالثا: السلطة الفلسطينية تعتقد أنها وضعت نفسها ووضعتنا في نقطة انطلاق نحو بناء الدولة، وإنها حسنت من صورة فلسطين وشعبها عالميا، وأصبحت الحكومة الفلسطينية تدعي بأنه ومن غير المعقول والمنطقي أن نبدد هذه الانطلاقة ونحول القضية الفلسطينية من قضية اعترف بها العالم وتعهد بحل الصراعات بالمنطقة ، وأصبحنا قريبين من الرأي العام الأمريكي والأوروبي ، ونعود لندخل في صراعات جديدة نصطدم من بعدها مع القوى السياسية الرئيسية بواشنطن البيت الأبيض والكونجرس ، وبهذا نكون قد اخترنا مواجهة غير محسوبة العواقب مع هذه القوى فقدان الراتب .
بلا أدنى شك التدهور السياسي هو سبب التدهور الاقتصادي الذي نعيشه اليوم، وحقيقة يبدو لي أن السلطة لم تستعد جيدا لهذه المواجهة ، فالحكومة الفلسطينية ، بقيت منذ أوسلو تدير مؤسساتنا على أنها فترة انتقالية نحو بناء الوطن وإقامة الدولة ، وان مؤسساتنا لم تكتمل بعد، ولم تتخذ السلطة إستراتيجيته تجاه تغير هذا الواقع ، ولم تستعد لهذا جيدا، ولم تفكر ببديل ، بقيت العلاقات العامة الفلسطينية مع أمريكا وأوروبا والدول المانحة دفع الرواتب لها.
الحكومة وضعت نفسها ووضعتنا أمام لا بل تحت الضغوط التي تتعرض ونتعرض لها بهذا الوضع الصعب ،الذي وجدنا أنفسنا فيه ، وان دل هذا الوضع على شيء إنما يدل على سوء إدارة الأزمات لدى حكومتنا، هذا ناهيك عن الانقسام في الصف الوطني الفلسطيني الداخلي ذاته بخصوص ما يجري من انقسام الذي لا يخدم فلسطين وشعبها إنما يصب لمصلحة الاحتلال .
حتى الآن مفاوضات السلام مكانك راوح ، والاستيطان ينتشر في جسد فلسطين كالسرطان ، بظل الربيع العربي الذي اشغل العالم عن القضية الفلسطينية ،واليوم معالي رئيس الحكومة يشرح لنا من خلال موقعه بالفيس بوك عن ديون السلطة ولم يعطينا أو يبين إستراتيجية واضحة المعالم لتحسين الوضع الاقتصادي ، إن الحكومة تدير المؤسسات بطريقة تقليدية ومغلقة، وثابتة وبدون التفكير بالتغير نحو إيجاد سبل لحل هذا الواقع الفلسطيني والخروج منه ألا وهو انتظار الدول المانحة دفع الرواتب ، كما أنها لم تبحث كثيرا عن السبل الكفيلة لتحسين هذه الأوضاع ، فالنقاش الدائر حول هذا نجده لدى الحكومة ضئيل للغاية .
وبما أن لدى الحكومة خبراء ومستشارين يتقاضون رواتب يحسدون عليها عن غيرهم ، عليهم إيجاد حلول وسبل كثيرة يمكن من خلالها تحقيق التغير بالوضع الاقتصادي الفلسطيني وأخذ زمام المبادرة . ونحن في نفس الوقت ندرك حجم الثغرات والانحرافات القانونية والسياسية الذي امتدت لمختلف جوانب الحياة وأن واقعنا في حاجة لمراجعة شاملة لقوانين وسياسات الحكومة.
كما نتمنى في نفس الوقت أن تكون هذه المرحلة التي نمر بها بداية لمرحلة جديدة تنفتح الحكومة فيها على عامة الشعب ، كي لا يتبادلون المصالح والمزايا بصدام يهدر الطاقات والموارد. وفي ظني أن هناك عمل إيجابي وسيكون مستحب يجب تشجيعه ، ألا وهو البحث عن الاستثمار على ارض فلسطين ، فعلى الحكومة أن تجد بدائل بدل انتظار المنح من اجل الرواتب ، فبدل المنح عليها أن تطلب شكلية المنحة بان تكون إنشاء مشاريع اقتصادية منتجة ومصدرة ، تكفل بذلك تحويل واقعنا من شعب مستهلك إلى شعب منتج ومصدر، وتكفل بذلك التقليل من البطالة ، خاصة وأن فلسطين نجد حولها دول عربية ترحب بكل ما هو منتج من فلسطين ، وتبني لمواطنيها جسور إنتاجيا بينها وبين الخارج.
وهناك أمر هام ، موضوع التحويل الطبي للعلاج خارج فلسطين الذي يكلف السلطة الملاين من الدولارات ، لماذا لا تسعى الحكومة لتوفير المعدات من الدول المانحة لتصبح مستشفياتنا مؤهلة لإجراء كافة العمليات الجراحية مع العلم لدينا الأطباء المؤهلين لذلك وان لا لماذا لا ترسل الأطباء للتخصص من اجل ذلك ، ألا يوفر هذا ملاين الدولارات شهريا ، إن الحكومة في حاجة لتفكر جديد وان تستفيد من واقع ما يجري، وان تباشر في بناء علاقات أفضل مع المواطن بمعرفة ألمه ، وان تكون علاقات تقوم على أكبر قدر من الانفتاح والشفافية والمشاركة الشعبية والجماهيرية.
لأن ابسط إنسان يعرف أن مؤسسات الحكومة تعمل وتنتج وتجني الأموال، لان ابسط إنسان يعرف كم مليون علبة سجاير تحرق يوميا وكم تجني منها الحكومة ضريبة ، ويعرف أيضا كم لتر من الوقود يحرق يوميا وكما عائدات الحكومة منها ، ويعرف أيضا كم مليون مسافر يعبر المعبر نحو الأردن سنويا وكم تجني السلطة منها ، وكم مخالفة تحرر وكم تجني السلطة منها ، وكم رخصة سائق تصدر وتجدد وكم رخصة مركبة تجدد وترخص وكم عائدات السلطة منها، وكم برج أو محل أو شقة بفلسطين تاجر وكم عائدات الحكومة من ضريبة الأملاك تجني الحكومة ، وكم من محل تجاري ضريبة وجمرك يدفع وما عائدات الحكومة منها.
وكم من فاتورة هاتف أو جوال تصدر وما قيمة عائدات الحكومة منها الخ…… نعم وبلا ادني شك مؤسساتنا تعمل تنتج بقي أن ندفع عن الهواء الذي نستشفه، وبالوقت نفسه يعلم الجميع أيضا، كم يكلف موكب رئيس الحكومة بتنقله بفلسطين ، وكم كلفة كل وفد خارج فلسطين
لذا أرى مرة أخرى أن صدام مع الحكومة قد لا يصب بالضرورة في صالح الوطن ، وأن على الشعب الفلسطيني عدم الانسياق وراء دعاوي الصدام أو الصراع، وعلى السيد الرئيس أبو مازن أن يجد بديل لحكومة أفضل ، حكومة تعمل من اجل البحث عن سبل أفضل لحماية مصالح الشعب وتوفير سبل العيش الكريم له ، والله أعلم