فتح الحدود في المنطقة العربية
منذ أن بسط السلطان سليم نفوذه على بلاد الشام خاصة ومصر والحجاز والعراق، وأهل تلك المناطق يتنقلون في تلك البلاد الشاسعة بحرية ودون حدود أو تأشيرات ؛ وكانت القبائل، تتنقل حسب أعراف واتفاقات بينها؛ لتتبع الماء والكلأ في بادية الشام والعراق ، وهما قبيلتي شمر وعنزه خاصة. ودام هذا الوضع حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى ، وكان من نتائجها احتلال الشرق العربي كاملاً من بريطانيا وفرنسا، ونشأت بدلاً من الولايات العربية في التقسيم الإداري العثماني دولاً ذات حدود وسيادة ونشيد وعلم وطني، وعلى ما يبدو أن صانعي التقسيم الجديد تعمدوا_ بقصد _ دمج بعض الولايات وتقسيم الأخرى؛ وحينئذ تتقطع أواصر القربى والرحم بين الأهل الذين كانوا معاً ما يزيد عن 500 سنة.
ونتيجة لعدم وجود موانع ما بين الولايات العثمانية بشكل عام ، فقد انتقل بعض الناس _قبل العثمانين وأثناء حكمهم_ للعيش والاستقرار والتوطن في ولايات أخرى طلباً للرزق ؛ وفلسطين نموذج مصغرلذلك ،فهي تحتوي على فسيفساء متنوعة من كافة الأصول والمنابت؛ فهنالك العرب من بادية الشام ومن العراق ومن اليمن والحجاز، والمغرب ومصر ...ألخ، وهنالك الأكراد والتركمان والشراكسة والألبان، والمسيحيون واليهود ...ألخ بل احتوت فلسطين على كافة المذاهب ومختلف الأطياف، وفي بلاد الشام عامة هنالك تداخل ما بين الناس نسباً ومصاهرة ، وهنالك الكثير من العوامل المشتركة بينهم.
ولكن بعد احتلال البلاد العربية تقطعت السبل، وأصبح لكل دولة هوية وطنية، ونظام سياسي واقتصادي ، وأصبح التنقل ما بين العديد من الدول العربية عسيراً، بل يحتاج إلى تأشيرة دخول وإقامة ...ألخ وخاصة للدول النفطية الغنية ، وعلى الرغم من تداخل الحدود والممتلكات العقارية لموطنين تلك الدول ، ورغم الترابط والتواصل الاجتماعي والجغرافي كذلك ، إلا أن المواطنين بحاجة للتأشيرات. فمثلاً حوران وحدة واحدة من حيث التضاريس والسكان وصلات القربى واللهجة والعادات والتقاليد ...ألخ ، وكذلك شمال السعودية المرتبط مع العراق وسوريا والأردن ، وللغريب أن بادية الشام قسمت بين أربعة دول، وشمال السعودية وبعض أجزاءها الغربية تعتبر من بلاد الشام ، وهنالك ترابط تاريخي وعائلي بين جنوب الأردن مع تبوك وبئر السبع وجنوب فلسطين وأهالي سيناء، فهي كتلة واحدة؛ كنسب وعادات وتقاليد ولهجة ...ألخ .
ولعل من عظائم الأمور أن أصبحت تلك الحدود أداة ضغط على الدول والشعوب، وأصبح إخوة الأمس لا تلاقي بينهم، وفي بعض الأحيان استغلت الحدود من الأطراف السياسية لتسوية النزاعات ، ولإظهار السيادة الوطنية، وأصبحت الحدود أحياناً أرضاً للعذاب والهوان ، ولإذلال المواطن العربي. أما إجراءات التفتيش وختم الجوازات ، وتلقي الرشاوي ، وفرض الجمارك والمكوس ، فحدث ولا حرج، ومن عانى من التنقل ما بين الدول العربية وإجراءات الحدود فلديه الكثير من القصص والروايات البائسة. ولعل من سلبيات تلك الحدود أنها قلصت من حجم التبادل التجاري ما بين تلك الدول أو الولايات العربية سابقاً، ومنعت حركة التنقل للقبائل الرحل.
وخلال السنوات العجاف الماضية ومنذ احتلال العراق للكويت ، وما تبع ذلك من إغلاق للحدود ومنع للتبادل التجاري، أوتنقل للأشخاص، فلقد كانت وللأسف الخسائر المادية للعالم العربي كبيرة جداً، بل لعلها تفوق الخسائر أمام الأعداء، وأحياناً تشعر أن المحتل أرحم ممن تشترك معه بالدين والتاريخ واللغة واللون والمستقبل، وزاد الطين بلة ماحدث أثناء ما سمي بالربيع العربي، من قطع لأواصر القربى والرحم، ومنع للتجارة، وإغلاق للحدود، حتى أصبح الأردن مثلاً محاصراً رغماً عنه.
إن فتح الحدود ما بين الدول العربية وتيسير وتسهيل حركة الناس ، وعبور التجارة ، لكل الدول ودون وضع عراقيل أو حواجز فيه منافع عظيمة للناس أولاً وللدول ذاتها . إن الخلافات السياسية يجب أن لا تتأثر بها حركة التجارة والتنقل ما بين الناس ، ورسولنا الكريم لم يمنع التجارة مع أهالي مكة، وإرسال القمح من تجار المسلمين لهم. ومن الغريب بعد فتح الحدود ما بين الأردن وسوريا انطلاق دعوات من البعض لمنع الناس من الانتقال بين البلدين بحجج واهية. إن الترابط ما بين سوريا والأردن هو ترابط أسري اجتماعي قبل أن يكون ترابط أو تواصل تجاري أو سياسي، وهل نستطيع حصر مقدار الترابط ما بين الأهل في سوريا ولبنان مع الأردن ؟ إن الدعوة لعدم التواصل ما بين الناس هي دعوة قطع رحم، ونحن لا ننظر للنظام السياسي بقدر ما ننظر لمصالح ومنافع الناس، فالأنظمة السياسية متغيرة وغير دائمة، أما صلات الرحم فهي دائمة وثابتة.
وإن كان البعض لا يرغب الاقتداء بكتاب الله وسنة رسوله، فلينظر للاتحاد الأوروبي وكيفية سهولة التنقل ما بين مواطنيه، بل ولكل حامل تأشيرة أي بلد فيه، فهو يستطيع الانتقال لكافة دول الاتحاد الأوروبي ودون موانع. وعربياً كانت هنالك مراهنة على نموذج مجلس التعاون الخليجي ، ولكن انقلبت الأموربسرعة ، وبإجراءات قاسية جداً، ولا يكاد أن يقبلها عاقل أو يصدقها !!!! وللمرء أن يتخيل لو لم تكن حدود بين الدول أن دائرة نصف قطرها 600كلم تبدأ من المسجد الأقصى ستشمل مدناً كثيرة يستطيع أهلها صلاة الجمعة في الأقصى، ودون معاناة كبيرة؛ فهذه الدائرة ستشمل كافة مدن الأردن وشمال السعودوية وبعض المدن السورية واللبنانية، ولك أن تتخيل أن ساعتين أو أقل فقط للانتقال من عمان إلى يافا ، وثلاث ساعات عبورا بشمال فلسطين للانتقال ما بين بيروت وعمان.
إن الدول العربية معنية اليوم _وبعد الربيع العربي_ بفتح الحدود وإلغاء أو تخفيض الرسوم الجمركية، ورفع التأشيرات عن مواطني الدول العربية، وتسهيل حركة الناس والتجارة، وأن تكون الحدود نقاط تواصل ومحبة بين الناس. والأمل معقود في اجتماع مجلس التعاون الخليجي القادم على رفع الحصار المفروض على قطر ومواطنيها، فكيف سنشجع الاستثمار في دول مجلس التعاون الخليجي وقد شاهد العالم إجراءات نزع الملكية من مواطني قطر، وتفكك الأسر والعائلات؟