إن الضنك الذي يعيشه الأردنيون اليوم بالذات لم يسبق أن عايشوه من قبل؛ حيثما سرتَ في شوارع الأردن ترى الأردني صاحب الكشرة ولكنها الكشرة (مهدودة الحيل)؛ الكشرة التي لا تنمّ عن هيبةٍ كما الأول؛ بل كشرة وراءها ألف حكاية وحكاية من حكايات العوز والحاجة والفقر الذي بات يصل إلى الطبقة الوسطى ويأكلها بتسارع كبير!
أينما ذهبتَ أو ولّيت وجهك في الأردن الآن ستشعر أن الناس هناك تعلم علم اليقين أن مصيرها مربوط بالقدس؛ تعلم أنّ (صفقة القرن) هي الداء الذي لا دواء فيها؛ وتعلم أيضاً أن أي تنازل عن القدس هو تنازل عن القلب والروح!
يقتنع الأردنيون بأن مديونيتهم التي تتقافز كلّ يوم بأرقام تصاعدية مع أنهم يدفعون لها من حليب أطفالهم ومن أثمان أدويتهم ومن خبزهم اليومي لا تتناقص؛ وهذا يجعل أي شخص يعرف في القسمة والضرب والجمع يعيد دراسة أبجدياته مع الرياضيات لأنّ في حكاية مديونية الأردن لا يستقيم (واحد زائد واحد يساوي اثنين)؛ بل دائما يساوي ناقص عشرين أو ناقص أربعين وهكذا في تصاعد!
يعلم الأردنيون أن خربطة الحساب هذه مقصودة تماماً؛ ومقصود معها أن يركع الأردنيون وأن يتم غسل أدمغتهم جميعاً أو أغلبهم على الأقل ليخرجوا في مظاهرات حاشدة تطالب النظام السياسي الأردني بأن يوقّع على التنازل عن القدس! يعتقد الجاهلون بنفسية الأردنيين أن ارتفاع الأسعار الجنوني والمدروس عن سبق إصرار وترصد؛ وأن الضرائب الوهميّة والخيالية التي تولد بالعشرات في كلّ ليل؛ وأن تعطيل الأردنيين عن العمل؛ وأن الايغال في سرقة مقدرات الوطن ليعود الناس حفاةً عراةً بلا بنيان؛ يعتقد هؤلاء المخطِّطون لذلك أن ذاك سيساهم في تحوّل الأردني نحو بيع القدس والمتاجرة بها! فكم هم واهمون!
الأردن والقدس يعيشان الآن مؤامرة واحدة؛ مؤامرةً لا حدّ لها؛ مليئة بالجنون اللانساني؛ يقودها الأعداء الطبيعيون لأمتنا؛ ولكن المشكلة الأكبر مع سماسرةٍ ؛ مع عربٍ ينفّذون حصارهم على الأردن؛ يسحبون دعمهم عنه؛ يخنقونه في تفاصيله؛ يلوّحون له بالمليارات بيد وباليد الأخرى أوراق التنازل؛ إن وقّعتَ هنا؛ أخذت ما في هنا! إنهم يلعبون اللعبة القذرة إن لم تكن الأقذر على الاطلاق!
الأردن باقٍ وصامد رغم التجويع والحصار ومحاولات التركيع من الأخوة الأعداء والأخوة الغرباء؛ والقدس لن يضيرها - كما أكّدنا أكثر من مرة- سمسارٌ وخائنٌ!