عجيب أمر حكومتنا هذه وكأنها وُلِّيت علينا لتزيد معاناتنا وهمومنا وتجعل حياتنا أصعب رافعة ضغطنا المرتفع ودافعة بالتوتر ليبلغ أشده وكارهة للإصلاح منذ قدومها،فها هي قد بدأت بقطع ممنهج للكهرباء مختارة أسوأ توقيت يمر به الأردن من حيث ارتفاع درجات الحرارة التي لم يشهد مثيلها منذ عشرات السنين.
لجأت لقطع الكهرباء في الوقت الذي كلفت زيارة رئيسها ومرافقيه من رسميين وحاشية لدولة التشيك ما يقارب المليونين، أليس بعد ذلك تحد لإرادة الشعب الذي يرزح تحت الفقر؟؟ لجأت لقطع الكهرباء ولم تحاول قطع أيدي السارقين،لجأت لقطع الكهرباء ولم تلجأ للديبلوماسية الإيجابية فيما يتعلق بدولة شقيقة مجاورة نكاد نسمع أصوات شعبها ونحن في بيوتنا بل سمحت لنفسها ودون عناء التفكير الذي دأبت عليه لتعطي تصورا عن موقف الأردن من الأزمة السورية لا ينسجم مع الواقع المحلي ولا مع الواقع الإقليمي والدولي مما حدى بوزير الخارجية لمحاولة ترقيع الفتق وإصلاح ما يمكن إصلاحه عندما أعطى تفسيرا مغايرا لما أُعلن على لسان الرئيس الذي "لا يبحث عن شعبية "
وما العيب في أن تتشكل للإنسان شعبية مهما كان موقعه آتية من سلوك يرضي من حوله؟؟ والشعبية نتاج أفعال إيجابية مُرضية تحقق أو ترسخ ما بداخل الناس ويتمنوه. فهذه الحكومة لا تختلف عن سابقاتها إلا من رحم ربي وكأنها تهدف لتأجيج الموقف وتأزيمه والدفع بالناس لتخرج عن طورها وتبدو غير متعظة مما يجري بجوارنا والنظام لا يأتينا ببوادر أو إشارات من شأنها طمأنة الناس لتتوقف عن حراكها.
أليس من حقنا ومن المنطق ومن المشاهدات ومن رصدنا للنهج اللامرضي, أن نقول السكوت يعني الرضا أو أن الأمور انفلتت وفاتنا القطار؟؟ فعندما تُقطع الكهرباء في هذه الأجواء الملتهبة بكل المعايير الجوية والإقتصادية والسياسية ونحن أحوج ما نكون لها في هذا الطقس الحارق الذي لم نعتاده لا يُفهم من ذلك إلا أن نقول أن الحكومة تستعدي وتتحدى الشعب الصابر ولا تعيره اهتماما وتتعامل معه وكأنه مجموعة عبيد او قطيع أغنام, وما ذلك إلا الإقطاع الحديث.
هل تُقطع الكهرباء عن قصر الرئيس وقصور وزرائه وقصور البقية الباقية من "الصفوة المخلصة " المتحكمة برقابنا؟؟ وإن قُطعت فهناك البديل المجهز ومن أموال الدولة التي هي أموال الشعب،لماذا لا يُقدَّم السارقين للقضاء لقطع دابرهم وانتزاع حق الشعب منهم بدلا من قطع الكهرباء عن ملايين الناس؟! فكم من الأجهزة الكهربائية تتعطل؟! وكم من المواد الغذائية تتلف؟! وكم من مصالح تتعطل وأرزاق تتأثر؟! ألسنا نحذو حذو نظام سوريا الذي نطالبه بالتنحي ليترك الشعب ينعم بالحياة ؟! أليس هذا تناقضا ومكابرة ومثالية مكشوفة؟! الذي بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة, أليس كذلك؟؟ إن شر البلية ما يضحك, الحكومات في كل دول العالم تتغير وتتبدل وتُعدَّل انتخابا أو تعيينا بهدف الإتيان بجديد أفضل ممن سبقها.
أما في الأردن, الحكومة تأتي بجديد أسوأ ممن سبقها وكأنها في سباق أو في طوْر تنفيذ عهد قطعته على نفسها بأن تكون أسوأ من سابقاتها ضغطا وإفقارا واستخفافا لمن وُلِّيَت عليهم، ألم تسمعوا وتقرأوا أن " المواطن خط أحمر "؟؟ و" كرامة الوطن من كرامة المواطن "؟؟ ومن كرامة رأس الدولة؟؟ أليس إفقار المواطن والإنحدار به إلى الهاوية تجاوزا للخط الأحمر؟؟ أليس استحقار واستفزاز وتحدي المواطن تجاوزا للخط الأحمر؟؟
أليس قطع الكهرباء وخصوصا عند ارتفاع درجة الحرارة لحد أصبح عنده التبريد ضرورة ملحة تتقدم الحاجة لها على الأكل تجاوزا للخط الأحمر؟؟ أليس التناقض بين الأقوال والأفعال تجاوزا للخط الأحمر؟؟ أليس غياب التماثل في التصريحات التي يفترض أن تعكس موقفا استراتيجيا من قبل أعضاء الحكومة تجاوزا للخط الأحمر؟؟ فأين الرقيب عليهم وأين المدافع عن المواطن الذي يتم تجاوزه عند كل طلوع شمس؟؟ أليست تلك خطوط حمراء تم تجاوزها؟؟
كما وسمعنا أحدهم وقد نشأ هو الآخر وتربى بالقصور وبرعاية ملكية يذكرنا برفض التطاول على الملك بعد اليوم. حسنا, كلنا نشد على يدك ولا نقبل لرمزنا ذلك. والتطاول ليس مطلبا أو هدفا للغيورين لكن بنفس التزامن لا يقبل الغيورون أن تنجح حفنة برامكة وأخرى متبرمكة بالإستمرار بتمثيل أدوار الإخلاص والموالاة وكتابة سيناريوهات وأصول الإنتماء وهي أبعد ما تكون عن هذه الصفات النبيلة.
لا يقبلوا لرمزهم أن يغتر بمعسول كلامهم وهم يذيقون شعبه الأمرين ويبدعوا في التلون والتحايل . وما أزعمه ليس احتكارا أو مصادرة لتلك الصفات النبيلة ولا حكما مسبقا بل ثبت لنا حتى أصبح حقيقة جلية وأعمالهم تتحدث عن نفسها. وذلك دفْعٌ بالناس الغيورين لينقلبوا على ثوابتهم ومرتكزاتهم وهذا ما نرفضه،وللرافض للتطاول نقول أين أنت من المتطاولين على وطنك ومواطنيه ومقدراتهم؟؟.
أين أنت من المواطن عندما يتم تجاوزه وهو خط أحمر وأين أنت منه عندما تتعرض مواطنته وكرامته وإنسانيته يوميا للإمتحان؟؟ أين أنت من ملايين الناس وقد تقلدت أرفع المناصب وأكثرها قربا من رأس الدولة؟؟ ألا تعلم بأن المتجاوزون للخطوط الحمراء (المواطن) هم أنفسهم بما اقترفوا دفعوك أن تهدد مواطنيك برفضك للتطاول؟؟ لماذا لم يكن لك موقفك عندما ترى وتعلم أن الملايين من الناس يتم تجاوزهم والإستخفاف بعقولهم؟؟ أم هي الإنتهازية والتقرب؟؟
الضحية من جراء كل ذلك هو الشعب الذي يدفع ثمن تجنيهم وتخبطهم وقراراتهم اللامدروسة وغياب الحكمة في اتخاذ المواقف الإستراتيجية،فمتى سنخرج ونتخلص من هذه الصورة النمطية للنهج المستهتر والمستخف ببشريتنا وآدميتنا؟؟ أما لهذه الظُّلْمة من مشعل يبددها؟؟ هل سيبقى الحل يلقى على كاهل المواطن؟؟ ما يمكن أن " توفره " الحكومة من قطعها للكهرباء ما هي إلا حفنة من الدنانير كان الأجدر بها أن تحاول تحصيلها من السارقين المارقين الذين تجاوزوا الوطن والمواطن. من سيدفع ثمن التصريحات السياسية اللامحسوبة؟؟ قائلها؟؟
كلاشعب سيفعل (كاتب هذه السطور من منطقة تبعد ثلاثة كيلومترات عن الحدود السورية, إذا وقفت على سطح المنزل أكاد أعد البيوت في القرى السورية المجاورة) ومن سيغطي الملايين المسروقة؟؟ سارقوها؟؟ كلا. الشعب سيفعل. من يعاني من نهج الإستهتار والإستبقار؟؟ ممارسوا النهج؟؟ كلا.
الشعب يفعل من يتصبب جلده وتعتصر ملابسه عرقا؟؟ الآمرون بقطع الكهرباء؟؟ كلا. الشعب يفعل. فإلى متى وكم وكيف ولماذا يتحمل الشعب أثمان أخطائكم وخطاياكم وأنتم تسلخونه صباح مساء بسياسات حُشر بسببها الشعب في زاوية غيهبية وزُج باتجاه التحدي لأن سياساتكم هي التحدي بعينه.
لقد ذهبتم بالأردن إلى الهاوية وما زلتم بغيِّكم تعمهون وبنهجكم ماضون وكأنكم لا تتابعوا الأحداث من حولنا أو تتعامون عنها لخلق مبررات لتحميل الوطن حملا ينوء تحته،ما أنتم والله إلا حِمل ثقيل على النظام الذي أجدتم التمثيل أمامه فنلتم إعجابه. ولم تتركوا للمواطن إلا طلب الشهادة من أجل وطن فرطتم به لإرضاء الدافعين. فلتخافوا الله بالوطن والشعب وبأنفسكم إذ وضعتمونا بمأزق فمددتم أيديكم ثمنا لاستخفافكم واستهتاركم وتخبطكم وتقولون ما لا تفعلون وتنفون ما تصنعون خلف الأبواب الموصدة وتتفاخرون بالذي لا تصنعون. وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.