في خطوة غير مسبوقة و «غير منطقية»؛ تم قبول أكثر من 37 الف طالب وطالبة في جامعاتنا الرسمية ضمن قائمة التنافس !.. اقول جامعاتنا الحكومية التي تعاني ما تعانيه من ضوائق مالية، ونقول بأنها غير منطقية، لأننا نعلم أن القدرة الاستيعابية للجامعات تبلغ حوالي 31 ألف مقعد جامعي، وتم رفعها الى 32 الف قبل الشروع بتقديم طلبات القبول الموحد، لكننا ودون سابق انذار او توقع فوجئنا بهذا الرقم الكبير الذي يتجاوز قدرات الجامعات، وهنا لا بد لنا أن نتساءل عن موقف هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي من قرار زيادة عدد المقبولين في الجامعات ؟ وما هي مسوغات مثل هذا القرار؟.
القرار ضرب عرض الحائط بالمطالبات الجامعية التي تتقصى المال، فهي تعاني كثيرا من أزمات مالية تعصف بها، وتطالب الحكومة بأن تدفع مخصصاتها لتتمكن من القيام بواجباتها، وتغطي نفقاتها ورواتب موظفيها، وثمة جامعات تعاني فعلا من عدم وجود رواتب للموظفين، وقد سبق أن قرأنا وكتبنا هنا عن هذه الجامعات والأزمات المالية التي تعاني منها، فكيف تم رفع أعداد المقبولين فيها فوق قدرتها الاستيعابية، وما مصير معايير الاعتماد؟
تبرر وزارة التعليم العالي قرارها بأنه جاء لاستيعاب أكبر عدد من الطلاب الذين نجحوا في امتحان الثانوية العامة، وهو تصرف جميل من الوزارة ومساهمة مهمة في نزع فتيل أزمة تسببت بها نتائج الثانوية العامة، لكن الى أي مدى تنسجم هذه الخطوة مع الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، التي نتغنى بها ونطالب بتنفيذها؟ وما مصير النظريات والتوجهات الحكومية الداعية لوقف القبول في التخصصات المشبعة والراكدة، للتخفيف من طابور البطالة بين خريجي الجامعات؟ .. وما هو مصير الاستراتيجيات الداعية الى التعليم المهني؟ وألف سؤال تثيره مثل هذه الخطوة التي جاءت بمثابة ضربة قوية للجامعات الحكومية.
لماذا لا نتحدث بصراحة عن هذه الأزمة، وما هو سببها الرئيسي، فكلنا يعلم أن السبب جاء من اجتهادات وزارة التربية والتعليم منذ أكثر من عام، التي خففت بل تخففت من امتحان الثانوية العامة، فجاء امتحانا سهلا وحاز فيه الطلاب على معدلات مرتفعة جدا، تساوي تلك المعدلات التي كنا نراها أيام «استشراء ظاهرة الغش قبل عدة سنوات»، لكن الفرق يكمن في أن الجامعات لم تتجاوز حدود قدرتها الاستيعابية آنذاك، واليوم أصبحنا نحصي أزمات قادمة من وزارة التربية، لتتحملها وزارة التعليم العالي ثم الجامعات ولا حديث عن مخرجات التعليم العالي ولا اهتمام بأزماته وملفاته المعقدة ..
كثير من المواطنين سقطوا في عدم فهم حقيقة ارتفاع المعدلات في الثانوية العامة، وحين قاموا بتعبئة طلب القبول الموحد لم يكن في واردهم أن معدل ابنهم او ابنتهم وعلى الرغم من أنه في فئة 90من 100، فلن يحصل على مقعد جامعي، وسيتم احتسابه على قائمة مسيئي الاختيار، وقد ذكرت وزارة التعليم العالي أن عدد الطلبة مسيئي الاختيار تجاوز 5 آلاف طالب وطالبة !..
أنا شخصيا أشكر وزارة التعليم العالي على موقفها في إبعاد شبح أزمة كبيرة، ناتجة عن زيادة عدد خريجي الثانوية وارتفاع معدلاتهم، وأتعاطف جدا مع الجامعات الرسمية التي وقع الحمل والخلل على كاهلها، وهنا يكمن التساؤل الأكبر:
ما مصير التعليم العالي وبناه التحتية إن استمرت هذه السياسة في وزارة التربية والتعليم، وقامت بتصدير كل هذه الأعداد كل عام الى مؤسسات التعليم العالي، وأين نحن من الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية؟..نحن مع نجاح كل طلابنا في الثانوية، لكن هل نحن مستعدون لاستقبالهم في جامعاتنا ثم في أسواق العمل؟ ..هل هذه سياسة تعليمية ناجحة وتستحق كل هذا الرضى والحبور والاحتفال؟.
الله يعين طلبة الثانوية العامة الجدد، فهم سيتحملون ثانوية صعبة ونتائج متدنية بعد هذه الأزمة، خشية أن تتكرر مرة ثانية، وهنا لا أجد الا مثل «شالوها من الزرع وحطوها في الغمور»...وليحيا الاجتهاد والارتجال والتغيير والتطوير.