كثر الحديث في الأونة الأخيرة حول موضوع الاصلاح السياسي والتحديات الاقتصادية وهي عناوين مهمة ومثيرة وذات اثر في المجتمع, ولكننا قلما نسمع الحديث عن الاصلاح الاداري مع أن الإدارة هي الأساس في كل هذه الأمور،فأي اصلاح يترجم الى قانون والقانون ليس شيئا جامدا بل هو بحاجة الى ترجمة عملية وتطبيق واقعي، وهذا يتم من خلال الإنسان.
في مراحل الادارة هناك كما يقول علماء الادارة خمس مراحل مرحلة ما قبل الادارة وهي الادارة بالفساد ثم مرحلة الادارة بالقوانين ثم مرحلة الفكر السلوكي المرتبط بالكفاءة ثم الادارة بالاهداف ثم بناء النموذج الاداري المرتبط بقيم المجتمع.
ولى الرسول (صلى الله عليه وسلم) واليا وجاء في نهاية السنة بمال وفير, وقال هذا لكم وهذا أهدي الي فاجابه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه عن الأدارة(افلا قعدت في بيت ابيك وامك حتى يهدى اليك) وهو ما اشرت اليه بربط النموذج الاداري بقيم المجتمع, وعندما رأى عمر بن الخطاب ابلا سمينة وسأل عنها لمن هذه قالوا لعبد الله بن عمر, قال عمر الحقوها ببيت مال المسلمين, قال عبد الله هي إبلي، قال عمر نعم, ولكن المسلمين قالوا أفسحوا المرعى لابل ابن امير المؤمنين فسمنت على حساب إبلهم، وعندما اراد أن يعين أحد الولاة قال دلوني على شخص إذا كان بين الناس وهو ليس اميرهم كأنه اميرهم، فدلوه عليه فولاه فكان نعم الوالي، وعندما كان يعزل احد الولاة كان يقول له لقد وليناك اختيارا وعزلناك اختبارا وكان الخلفاء يرسلون رسالة الى الوالي عند عزله يقولون له(يدك في الكتاب ورجلك في الركاب) ويقولون بسبب ذلك(لقد كثر شاكوك وقل شاكروك فإما اعتدلت وإما اعتزلت).
ومع ذلك لم تخل فترات الدولة الاسلامية من تعيينات اعتمدت على المعرفة والقرابة واعتمدت على أهل الولاء والثقة على حساب أهل الكفاية والصفاء وهو ما كان سببا من أسباب تدهور الادارة في الدولة الاسلامية اذ أن المسؤول في موقع القرار, لقراره أهمية حين يتخذه وحينما يولي اشخاصا لمجرد أن لهم به علاقة كأن يكونون زملاء دراسة او جامعة او جيران سكن او أقارب او أصهار, دونما وجه حق فقد ولى من ليس بصاحب كفاية وساهم في تدهور الدولة ورهن مقدراتها المالية وسياستها بيد من لا يستطيع ادارة بيتية وفشل في تربية وتوجيه أبنائه وهم الألصق به والأولى بالرعاية.
أننا بحاجة الى اسماع صوت قوي أننا لازلنا في بؤرة التخلف الاداري وأننا بحاجة الى التركيز اكثر على الموضوع الإداري ومن هنا فإن الجمعية الاردنية للقيادات الإدارية ستحاول الاسهام في هذا الجانب من خلال مؤتمراتها الثلاثة الاول بعنوان (الادارة في الأردن الواقع التحديات وآفاق المستقبل) والثاني بعنوان (الاصلاح الاداري بوابة الاصلاح السياسي في الاردن) والثالث بعنوان(الاصلاح الاداري بوابة الاصلاح السياسي في العالم العربي) ونماذج من النجاح الاداري والتجارب الادارية على مستوى العالم.
إن النملة وهي تسير في طريقها إذا اعترضها عارض يمنعها من مزاولة السير تغير طريقها حتى تصل الى هدفها ولكننا مصرون على ان نبقى نسير في نفس الطريق وبنفس الكيفية والأساليب، وكأننا نعيش خارج اسوار العصر.