توقَّفــوا بِحَــقِّ وفائكـــم .. لأجـل الأردن
ما يُمـــيِّز الشعب الأردني أنَّــه يَستميتُ وفــاءً لوطنــه ودفــاعاً عنه ، وانَّــهُ لا يكــلُّ ولا يَمــلُّ أبــداً في ردِّ أيِّ عبثيَّــة أو تخبُّــط يهــدفُ للنَّيــلِ منه مهما بلغَ الأمـــرُ مَبلَغــه ، وأنَّــه الشعبُ المتيقّــظُ الواعي الذي نشــأ منذ أمَــدٍ بعيـــدٍ على حبِّ قيادته الهاشميَّــة المظفَّــرة ، التي جُبِــلَ على الولاء لها ولاءً صــادقاً لا تشوبهُ شائبة ، ولا تَـــذروه ريــحٌ مهما اشتــدَّ غيضها وسمومها .. هــذا الشعبُ الذي يُعــدُّ من أكثر الشعــوب صَــبراً وتَجلُّــداً لأجل وطنــه مهما حاقت به الكروب وتعسَّــرت الظــروف ، ذلك لأنَّــه يعلمُ تمامَ العلم أنَّه يَعظُــمُ بِعظَــمِ الوطن ، وأنَّ استقــرار وطنــه وأمنــه رداءٌ يَســتُرُ أرضــه وعِرضــهِ ، ويبعــدهُ عن أي أنفــاقٍ لا تُحمــد عقباها .. هــذا الشَّعبُ هو الأمَـــرُّ والأعنفُ لا نادى المُنـــادي "ألا هُبُّــوا إلى الوطــن" ، وهو المخلــصُ الذي يَحمِــلُ على أكتافــه واجب حماية ممتلكاته ومؤسساته وثباته ، والتاريخ أصــدقُ ما يوثِّــقُ للأردنــيين بلاءهـــم الحَسـن ورحلــة كفاحهم في الـــذَّودِ عن بلــدهم وفــداء قيـــادتهم الباسلــة .. تلك القيـــادة الراسخــة الجــذور والأصــول رســوخ الجبـــال ، والتي ما كانت يومــاً إلا إلى جانب الوطن وأهلــه ، وما وقفت إلا لنُصــرته والحفاظ على وحدته وتراصِّ صفــوفه ؛ حتى غــدا الأردن الوطــن الذي لا يَقبَــلُ حُكمــاً ولا ولايــةً لغــيرها .. ذلك أنَّ قيـــادتنا العريقــة هي أيقــونة استقــرار الوطــن وســلامة شعبه وديمومــة أمنـه وأمـــانه ، لا بلْ بوصلــة الأمــان للمنطقــة العربيَّــة بأسرها.
لقــدْ تعلَّــمَ الأردنيــون في هـــذا الوطنُ الشَّــامخ ، ومِنْ مسيرة قيادته النجيبــة الشريفــة ، ومن فطــرة الإنتمـــاء الذي تغــذي دمائهم وأرواحهــم أنَّ الوطــن كالحــقِّ يعلو ولا يُعلى عليه ، لهــذا لم يكُنْ طبعُهــم يومــاً إلا شــرفَ الوفــاء للأرضِ والقيــادة والإنســـان ، وما كانَ ديــدَنُهم إلا أن يكون في أولِّ الرّكبِ في قافلــة النهــوضِ والتنميــة والتطــوير ، وردِّ كلَّ مَنْ تُســوِّلُ له نفسَــهُ المساس به مِنْ باغٍ أو عــادٍ أو جــاحدٍ أو حــاقــد ، أو الأخـــذَ به إلى دربٍ مظلــم لا قَــدَّر الله ... وإنَّ هــذا البلــدُ على اختلاف منابتــه في أريافــه وقُـــراه ومُــدنه يَقبَــلُ كل الأطيــاف والمِــلل من شتّى أصــولها ومنابتها ضمــن ما يَحفَــظُ له كرامتــه وعزّتــهُ ، إيمــاناً منه ويقينــاً من قيادته أنها كلّها تمتــزجُ بدمٍ واحــدٍ هو "الأردن" ، وأنَّهــا تقفُ على خــطِّ واحــد في الحرص على تنميته وازدهــاره وشموخــه وكبريائــه ، ولكنَّــهُ في نفس الوقتِ لا يقبلُ فكــراً مُتطــرفاً أو عبثيَّــةً مذهبيــة أو حزبيــة موجَّهــة ، ولا يقفُ مكتوفَ الأيـــدي تجــاه أيِّ جهــةٍ تُخــططُ وسـط دياجــير الظــلام لاستغــلالِ أيَّــةِ قضيَّــة لتأخــذ منحى المزاودة الساذجة باسم الوطن أو المنــاكفة العميــاء لاغتيــال منجــزاته وتشتيتِ أبنــائه وتعبئتهــم بالغَــلِّ عليه من خــلالِ الاستطــرادِ المستمر في الإثـــارةِ والاستفـــزاز ؛ لهــذا فإنَّ الشعبَ الأردنــي ما كانَ ولن يَكُــون يوماً عامــلاً في إثــارة الفوضى والاضطــراب في الدولة الأردنيــة.
لهــذا فإنَّ الوقتَ قــدْ حــان أمامَ حكومتنا الغَــراء لتتوقفْ قليــلاً لتأخــذَ "جُرعــةَ وطن" ، وتعيــد ترتيبَ حساباتها قليلاً ، وتنظــرَ بعين المُراقبِ لا بعين المسؤول تجــاه ما تتسبَّبُ به قراراتهــا من مسٍّ مباشــر وسافــر بحياة المواطن تَعــدَّى انْ تتقبله العقــول الواعية ؛ ولا بُــدَّ لها من وِقفــةٍ مليَّــةٍ ودراســةٍ متمعنة لما يمكن أن تقــودَ له مثل هذه القرارات من نتائج سلبيَّــة على المواطــنِ والوطــن ، فالمنهجيّــة التي تتبعها الحكومة الحالية واسلــوبِ العمل الذي تُصــرُّ على تطبيقه في سَــنِّ القــرارات وتعديلات القوانين كقانون ضريبة الدخــل ، وتتابع ارتفــاع الأسعــار على السلع والمحــروقات ، الذي تجــاوزت فيه الحكومة حتى وصلت حــدَّ الاستخفــافِ بالشعب ومحاربتهم في لقمــةِ عيشهم ، كل هــذا لا يرقى إلى مستوى مصلحــة الوطن وإنْ كان من وجهــةِ نظرٍ إقتصــادية يحقق مكاسباً للدولــة قد تُســاعدُ في تصريفِ شؤونها الاقتصادية بشكل معقــول ؛ فمــاذا تُريــد الحكومة عندما تُصمُّ آذانها ولا تَسمع للشعب ولا للنقابات ولا لجهات ومؤسسات الدولة ؟! هل تريــدُ تنفيــذَ برنامجهــا غاضةً البصر عمّا يمكن أن يؤدي إليه من نتائج ؟! هل تــودُّ أن تُزهقَ أنفاس الناسِ وتشعــلَ نار التَّمـــرُّد من قبل خلايا تستغلُّ هكذا أوضــاع ؟! هل تريــدُ أنْ تُقــدِّمَ حلولاً اقتصاديةً لتحمي الوطن وفي المقابلِ تنهك أبناءهُ فتنهكُ الوطــن ؟! هل تسعــى لاغتيــال قلوبٍ نبيلــةٍ نشــاتْ وتربَّت على حبِّ الوطن لتشري انتماءهــم من خلال زرع بذور العصيــان فيهم ؟! هل تريــدُ أن تخلــقَ تُغلــقَ منافذَ العيش أمام المواطن ليقف عاجـــزاً مجــرَّداً من كل شيء؟! ماذا تُريـــدُ إذاً ؟!
إنَّ الشَّعب من صغيرٍ وكبير حتى العاجــز منهم لا يقولُ إلا ما قالهُ ربُّ العزَّة : (سنُقــرئكَ فلا تَنسى) ، ولتعلم الحكومــة أنَّ الوطــنَ أغلى على الشعبِ من روحــه ، وأنَّ كل فــردٍ من أبنائه يُدركُ ما يجــري من تداعيات وتقلُّبــاتٍ سياسية في المنطقــة أدت إلى تضييقٍ اقتصــادي غير مسبوق على الأردن ، أخــذ ببعض الدول الصديقــة والشقيقــة إلى الوقوفِ على الضــدِّ والحيــاد ، لا بل حبسِ كلِّ أوردة التنفسِ عنه ، ذلك أنَّهُ ثابت الموقف عربي النزعــة لا يقـــايضُ على مصالح الأمَّــةِ وأبنائها ولا يبيــعُ قيمــهُ المغروســةُ فيه حدَّ التحــام العظــم باللحــم لغاية مــالٍ أو لارضــاء صديق مهما حدث ، فالمواقفُ السّــامية هي الأبقــى وهـذا منهج قيادتنا ، ولعلَّ هــذا هو مَـدعــاةُ فَخــرٍ للشَّعبَ والقيـــادة والوطن ، ومبــدأ راسخٌ لوطننا منذ نعومة أضفــاره لا يتغير ولا يتبدَّل ؛ ولأجـــل هذا يتحملُ الأردنيــونُ في سبيل كرامــة بلدهــم أقسى صنوف الضيق مما ينتج عن قـــراراتٍ قد تكون بريئــةً من وجهــة نظــر الحكومــة لكنها موجعــة للمواطن تضربــهُ في الصميم ، في عيشه وقوته ودخلــه ؛ أيستحـــقُّ مثل هذا الشعب أيتها الحكومــة أن يُســاقَ إلى الهاويــة ؟! أيستحــقُّ منكم هذا الوطــن أن تُضيِّقــوا على أبنائه فتقتلوا فيهم الاحســاس بالانتمــاء ؟! لهــذا لا تجعــلوا حبَّكم للأردن سيفــاً مُسَلَّطــاً على جيوب المواطنين ، وفأســـاً تنكثـــون بها نار الفتنــة في الوطــن وأنتم لا تعلمــون ، فلتبحثُ حكومتنا عن حلــولٍ أخــرى تحفظ من خلالها عزَّة وأمــان الوطن وسلامــة أبنائه ، ولتبتعــد عن أسلوب التهييــج السبي للناس ، حتى لا تكون عامــلاً في إثـــارة أحقـــاد فئــاتٍ نائمــة لا تريد الصمود ولا الخــيرَ ولا الاستقــرار للوطــن ، وتبثُّ سمومــاً هنا وهناك ودسائسَها بين أبنــاء الشعب لتجعلَ منهم عُصــاةً حاقــدين على وطنهم ، وليكن تخطيطكم على مستوى مصلحة الأردن وحماية استقراره ، حتى يـــدومَ هو العُشُّ الآمــنُ والمــلاذُ الأسلــمُ لأبنــائه ..
ألم تَــرَ أنَّ الطَّــيرَ إنْ جــاءَ ... عشَّــهُ فآواهُ في أكنافِــهِ يترنَّــمُ
ليسَ مِنَّــا في هــذا الوطنُ العامــرِ بالحب والأمـــانِ من لا يُريـــدُ له العلــوَّ والسّــير نحو القمَّــة ، وليسَ منَّــا من يتنَكَّــرُ لوطــنٍ عاشَ كالنَّســـرِ فوق القمَّــةِ الشمَّــاء رغــمَ أحــواضِ الدمــاء والتشرُّدُ والوضــاع المُلتهبــة التي تُحيــطُ به في منطقتنا ، حافظاً لكيانه محافظــاً على وحــدة بنيــه أســـرةً واحــدةً ... فليكن همُّنــا الوطنْ .. وليكنْ الوطنُ في مقــدّمة أولوياتنــا كما يؤكــدُ سيِّــد البــلاد دوماً.