محاضرتان مهمتان وخطيرتان في نفس الوقت تم إلقاؤهما الأسبوع الماضي .. تكشفان عن مدى التدهور الصحي الذي لحق بالشعب الأردني في السنوات الأخيرة كحلقة من سلسلة تدهورات سياسية واقتصادية معيشية طالت هذا القوم المنافح الصبور:
الأولى : ما كشف عنه رئيس المركز الوطني للسكري والغدد الصم البروفسور كامل العجلوني في محاضرة القاها أمام إعلاميين وفنانين يوم الثلاثاء الماضي حيث عرض ارقاماً مفزعة لدراسات نشرت في مجلاّت غربية محكّمة..ما استطعت تدوينه أو حفظه... النسب التالية: 30% من الأردنيين يعانون من مرض السكري، 39% يعانون من التوتر الشرياني، 80% من زيادة في الوزن، و50% من زيادة الدهون كالدهون الثلاثية والكولستيرول، 33% من النساء و60% من الرجال بين سن الاربعين والخمسين يعانون من ثلاثة امراض مزمنة على الاقل..ثم ختمها بالبشرى السارة ..ان نصف الاردنيين لا يستطيعون ان يقوموا بالواجبات الزوجية الموكولة اليهم بإخلاص وأمانة ..و76% من مرضى السكري هم كذلك...
ولم نتوقف عند «تخريعات» د. كامل العجلوني وأرقامه التي تطيّح الركب..فقد قام الدكتور وليد سرحان مستشار الطب النفسي بالقاء محاضرة منفصلة والتي كشف فيها أن هناك مليون اردني يعانون من اضطرابات نفسية !! أي ان انسجامهم الداخلي مع انفسهم وعلاقاتهم بالبيئة المحيطة ليست على ما يرام...وحمدت الله، أنه لم يعلن عن محاضرات أخرى في ذلك الاسبوع؛ كالعظام والعمود الفقري..او السرطان .. الجهاز الهضمي، أو الالتهاب الرئوي، أو»البروستاتا»...لحفرت قبري بيدي.
باختصار : اذا ما جمعنا أرقام كامل العجلوني على «مليون» وليد سرحان...» فإننا سنخرج حتماً بمجتمعّ «مطبّش» و»ملتعن سنسفيلة» عن بكرة ابيه..!! ..وعليه فإننا لسنا بحاجة في المرات القادمة الى فريق وزاري يدير شؤوننا وانما الى فريق طبي يقرأ تحاليلنا الجماعية امام مجلس النواب بدل خطاب التكليف..ويقوم بإرسال الوصفات الى البيوت بشكل دوري مثل فواتير الكهرباء وإنذارات الايجارات... او يرسلون لنا «انسولين» و»لاسيتان» بالتنكات...
***
قبل شهرين قرأت خبراً «محلياً» عن لص اقتحم بيت ارملة فقيرة تربي ايتاماً وتأخذ معاشاً متواضعاً من الشؤون الاجتماعية، وبعد طول تفتيش لم يجد اللص ما يسرقه ..فسرق أدوية أبنائها المرضى المصابين بأمراض مزمنة!!..قبل سماع المحاضرتين الأخيرتين كنت اعتقد ان ذلك اللص هو أسوأ لص في التاريخ ..لكني اكتشفت ان هناك من هو أسوأ واقل إنسانية منه، فمن يسرق قوت الناس ومعظمهم لا يستطيعون ان ينعموا بصحة جيدة هو أسوأ من ذاك «السرسري»..ومن يتجاهل تخفيف وفيات وعلل الفقراء ...هو أسوأ من ذاك اللص.. بصراحة: لا اعرف كيف يتم التجرؤ على أموال «شعب مطبّش» كالشعب الأردني...
ملاحظة: لوحظ ان في المحاضرتين انه لم يشر بتاتاً الى مرضى البواسير..ولو أشير لاكتشفنا ان هناك 6 ملايين و800 الف اردني يعانون من «البواسير» بسبب الخوازيق السياسية والاقتصادية التي تم تناولها على فترات خلال السنوات الماضية.