ربما الصدفة وحدها هي التي أفضت الى ان يكون لهذا اليوم 30 حزيران (رغم انه يوم ككل الايام والسنين العابرة)، أهمية اضافية في هذا العام الذي اندرج في ما وصف بالربيع العربي، او خلع عليه أحد الاسرائيليين صفة الشتاء الاسلامي، فيما آخرون رأوا في وقائعه وتداعياته تطبيقاً حياً لسياسة المحافظين الجدد القائمة على نشر «الفوضى الخلاّقة» في بلاد العرب، فإذا بها في النهاية او المخاض الراهن فوضى بلا ضوابط ولا قيم اخلاقية وضربٌ لكل وشائج القومية والأمن القومي العربي وغيرها من المصطلحات التي باعتنا اياها انظمة الاستبداد العربية وروجت لها كثيراً في اعلامها وخُطَبِ قادتها، وخصوصاً في «قممها» الفاشلة التي اقامت اسواراً عالية حولها وحمتها بالبوليس والعسس وكرستها بالقمع والاستبداد، وغدت دولاً فاشلة او تابعة او مرتهنة لارادة الاجنبي بعد أن باعت السيادة وفرّطت بالكرامة وساومت على الثروات ورحبت بالغزاة، حيث رأت فيهم «مُحرّرِين».
اليوم إذا ما التزم المجلس العسكري في مصر «بوعده»، فإنه وبعد عام ونصف تقريباً على تنحي حسني مبارك، يُفترض ان يُسلّم «السلطة» الى الرئيس المنتخب ويعود الى ثكناته ويبدأ العدّ لدولة مدنية، تنهض على سيادة القانون والتعددية والعدالة الاجتماعية والحريات العامة وتداول السلطة سلمياً.
قد يرى كثيرون ان التسليم (إن تم) لا يعدو كونه شكلياً، لأن الاعلان الدستوري المُكمّل الذي سارع المجلس العسكري الى اصداره قبل ثلاثة ايام من اعلان اللجنة العليا للانتخابات عن اسم الرئيس الفائز (بعد تأجيل غير مبرر)، انما حوّل الرئيس المنتخب الى «بطة عرجاء» او رئيس منزوع الصلاحيات، ما يُفرغ «التسليم» من مضمونه.
ثمة وجاهة في مخاوف كهذه، لكنها في النهاية – كما كل عمل سياسي او صراع بين القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية – تعتمد على الارادات وعلى الرصيد الشعبي والقانوني والاخلاقي والسياسي، الذي تتوفر عليه اطراف الصراع، وهم في الحال المصرية ليسوا طرفين (عسكر واخوان مسلمون) بل ثمة معسكران، احدهما معسكر الثورة الذي لا بد أن يجد طريقة للتوافق على طريقة «ما» لعبور المرحلة الراهنة، بعد أن لم يعد من الممكن الان الغاء حقيقة أن مرشح جماعة الاخوان المسلمين، هو الذي سيجلس في قصر «الاتحادية» كأول رئيس مدني منتخب لمصر بعد ثورة 23 يوليو التي اعلنت الجمهورية ومعسكر «نقيض» اخر يصعب تجاوز الاحداث والوقائع التي حدثت طوال الفترة الممتدة من 11 شباط 2011 عندما تنحى مبارك وأوكل السلطة للمجلس الاعلى للقوات المسلحة، الى صدور الاعلان الدستوري المُكمّل قبل ايام من اعلان اسم الفائز في انتخابات الرئاسة، للتأكيد على حقيقة ان المجلس العسكري كان جزءاً من الثورة المضادة، وانه توفر على ذكاء ودهاء وخبرة عميقة لاجهاض الثورة او الحد من زخمها والحؤول دون بلوغها الاهداف النبيلة التي خرج الى تحقيقها شعب مصر المعظم، رافعاً شعار «خبز حرية عدالة اجتماعية» مضحياً بالشهداء وكاسراً حاجز الخوف الذي شيّده انور السادات وكرّسه حسني مبارك في دولة فساد واستبداد وتبعية مُذلّة للتحالف الصهيواميركي.. اضف اليه (المجلس العسكري) «الفلول» الذين لم يفقدوا قوتهم وبيروقراطيتهم وامساكهم بمفاصل الدولة وثرواتها وغيرها من الامكانات التي اتاحت لأحد رموز نظام مبارك ان يصل الى المرحلة الاخيرة في التنافس على موقع رئاسة الجمهورية وكاد ان ينجح، لولا بضع مئات من آلاف الاصوات لم تصل حدود المليون صوت، وهذا شيء لافت، يجب ان تستخلص منه جماعة الاخوان المسلمين على وجه الخصوص (وليس قوى الثورة وفاعليتها المختلفة فحسب) الدروس والعبر لنسج تحالف وطني جامع يُحدث قطيعة مع ممارسات الجماعة «الاستحواذية» المعروفة.
30 حزيران ليس مصرياً خالصاً، إذ ثمة لجار مصر الجنوبي «اقصد السودان» نصيب في هذا التاريخ، حيث يحتفل المشير عمر حسن البشير بالذكرى (23) لانقلابه العسكري الذي اطلق عليه وشريكه الملتحي (حسن الترابي) وصف «ثورة الانقاذ»، فيما الساحة السياسية والشعبية السودانية تشهد هذه الايام حالاً غير مسبوقة من الغليان، واستعادة للشعار الذي كرّسه التوانسة في المشهد العربي الجديد «الشعب يريد اسقاط النظام» بعد أن كانت الاحتجاجات التي بدأها طلبة جامعات الخرطوم وام درمان والنيل الازرق، قد انطلقت ضد قرارات الحكومة الاقتصادية التقشفية التي تعني في شكل مباشر رفع اسعار السلع الغذائية الاساسية والوقود والحد من الانفاق الحكومي والاستغناء عن اعداد غفيرة من الموظفين لتغطية العجز البنيوي في موازنة الدولة التي ارهقتها الحروب الداخلية والخيارات العسكرية ضد الجنوب وتمرد مناطق عديدة في السودان الجديد (بعد انفصال الجنوب وقبله بالطبع).
هل سيكون احتفالاً «باذخاً» كما كل الاحتفالات السابقة التي احتفل بها البشير بانقلابه وثورته (لا فرق)؟ الاوضاع في السودان تشي بأن مرحلة جديدة قد بدأت والاحتمالات مفتوحة، لكن نظام الانقاذ بات مرهقاً ومنهكاً رغم انه يواجه معارضة لا تقل عنه ارهاقاً وتصدعاً وفقداناً للصدقية لدى الجمهور السوداني الذي يبدو أنه قرر الاعتماد على نفسه.
ماذا عن سوريا؟
ثمة للشام نصيب في هذا التاريخ (30 حزيران) حيث سنعرف مساء هذا اليوم الجهود التي بذلتها اطراف عديدة على رأسها روسيا والمبعوث الدولي كوفي انان لعقد مؤتمر (في الاقتراح الروسي) او مجموعة اتصال (في ما اقترح انان) دولي حول سوريا «بهدف التوصل الى حل سياسي للنزاع في سوريا» على ما قال نائب انان جان ماري غيهينو.
هل المسألة تتعلق بحضور او عدم حضور ايران (حيث انها والسعودية لم تدعيا)، أم ان الامور لم تنضج بعد لان ثمة من يراهن – في بلاد العرب – على سقوط وشيك للنظام السوري؟.
الايام ستقول ما إذا كان 30 حزيران بداية «بصيص نور» في نفق الازمة السورية، أم انها ستتوالى فصولاً دموية مدمرة لن يدفع ثمنها وأكلافها غير الشعب السوري الشقيق ودولته التي يتواصل تمزيقها.