يتذرع مسؤولون بالربيع العربي , كمبرر لتغييب الحسم القانوني لإضرابات عمالية تتجاوز القانون, ففي إجابة لطلب تقدم به إستثمار سعودي هو مصنع إسمنت القطرانة , للمسؤولين للتدخل بحل مشكلة إعتصام العمال في إطار قانوني سعى المسؤولون لإقناع الإدارة « بمراضاة العمال لأن ربيعا عربيا يمنعهم من التصرف بحزم لتطبيق القانون «!!.
لجوء العمال والأهالي في مواقع تواجد المصانع والشركات الى إغلاق الطرق الى هذه المصانع والشركات وقطع المياه والكهرباء عنها هو سلوك غير قانوني .
بعيدا عن الخسائر الإقتصادية وقد وقعت , ماهي الفوائد التي سيجنيها أبناء تلك المناطق لو قررت إدارات تلك المصانع إغلاقها , سوى خسارة أبنائهم لفرص عمل قائمة وأخرى مستقبلية ولإسهامات متعددة لتلك الشركات والمصانع في تنمية مجتمعاتهم المحلية .
حدث ذلك في البوتاس وفي الفوسفات والإسمنت الأردنية و إسمنت القطرانة والشركة الوطنية للدواجن وحدث ذلك أيضا في مؤسسات رسمية سعى موظفوها لمنع مدرائهم من دخولها الى أن تدخلت الشرطة لضمان وصولهم الى مكاتبهم .
لا أحد يقف ضد مطالب العمال العادلة بما في ذلك إدارات الشركات , لكن من غير المقبول أن يرعى السكوت عن تطبيق القانون التمادي في الإعتصامات والإضرابات الى أشكال مؤذية للإقتصاد وللناس وما لم تتوقف سيشمل هذا الضرر مصانع أخرى تنتشر في المملكة , فماذا يعني فرض توظيف المئات بقطع الطريق والماء والكهرباء في شركات تفيض بألاف العاملين ممن لا تطيق إستيعابهم قدرات الإنتاج.
ذات السلوك يتمدد على وقع شعار لي الذراع في ظل الإستقواء الذي تنامى في غفلة من الحسم الحكومي بحجة عدم الإشتباك مع المحتجين المحقين منهم وغير المحقين في نسخة سيئة للربيع العربي إزاء قضايا ليست محقة ومطالب غير قانونية , ليترك الميدان لتغييب القانون وإستبدال القنوات القانونية بسد الطرق وربط بوابات الشركات والدوائر بالجنازير , لتحل « القناوي والعصي « كلغة إبتزاز سائدة .
حل مشكلة البطالة لا تتم بإلصاق ألاف العاملين من غير المهنيين في المصانع والشركات , إنما في إطار خطة شامل تحفز الإستثمار والمستثمرين لإنشاء المصانع والشركات في المحافظات والمناطق النائية لخلق فرص عمل وتوفير أليات تأهيل وتدريب أبناء تلك المناطق , فعامل غير منتج كفيل بتعطيل حركة عشرة منتجين , وما يلفت الإنتباه أنه في ظل ما يجري من تصعيد ضار , هو التداخل المثير بين طالبي الحقوق الفعليين والمدعين ممن إرتأوا أن الوقت لم يكن مناسبا كما هو عليه اليوم لركوب الموجة وأخذ ما ليس لهم ممن هو حقهم وسط « مسايرة حكومية « لا تريد صداما حتى لو كان فرض القانون غايته بينما تختبيء النقابات المهنية وتخلي مقاعدها ل « الفتونة « تحت ضغوط الشعبية .
المطلوب من الحكومة أن تتدخل دائما وفق القانون ليس لمصلحة رأس المال , إنما لمصلحة الإقتصاد الوطني ولمصلحة الإستثمار الوطني , فليس من رسالة سيئة للمستثمرين أبلغ من تجاهل إتخاذ الحلول , فثمة فرق كبير بين الإعتصامات لتحقيق مطالب عادلة ضمن الأطر القانونية , وبين الإضرار بمصالح الناس قبل الشركات كهدف يخلق فوضى تضيع في صخبه حقوق أصحاب المطالب العادلة الفعليين .
لا ننكر على العاملين أو المتقاعدين في الشركات حقهم في تحسين أوضاعهم بالنظر الى تحسن أداء هذه الشركات لكن بظني أنه لو لم تجد هذه الإعتصامات التي تجري في شركات بعينها تغذية من تيار وجد غطاء رسميا لتجريمها في سياق نقد برنامج الخصخصة لما تحولت الى لغة الإستقواء .