الأردن في الاتجاه الصحيح
بات الاختلاف العربي- العربي وجبة دسمة مساعدة لقلب الموازين التي يستغلها أصحاب الفكر السياسي الأمريكي الجديد، بمحاولة منهم للعودة إلى حقبة الانفلات الفكري الحضاري التاريخي للأمة العربية الذي تمر به الحالة المجتمعية الحضارية العربية بين الحين والآخر، والذي رتب على ذلك تاريخياً وكما هو معروف آثاراً مرئية لتغيرات غير مرئية قد تكون حضارية أو جيوسياسية، ولكنها بدون شك مرتبطة كل الارتباط ببعضها بشكل مستسلسل قد يشوبها بين الحين والآخر صحوة منفردة تؤثر بشكل عميق على إيقاف أو تغيير معادلة التسلسل المقصود للتغير الذي يقوده أصحاب الفكر الاحتلالي السياسي الجديد. حيث بات ما يثيرهم حقاً هو خلق شروط منظمة متسلسلة جديدة مشتقة من المعادلة السياسية وتغييراتها التي قد تمنعهم أو تؤثر على سير العمل وفق أفكارهم العنصرية للاستمرار في نهج الاغتيال السياسي والحضاري لبعض الأمم العربية التي أضحت شبه منهارة تماماً أمام سلسلة التخاذلات في قضايا جوهرية لاتزال راسخة حتى الآن رغم تعرضها للزعزعة والتشرذم السياسي المختلف. وبما ان هذه الأفكار الجديدة لا تزال في طور التبلور، فإن تطبيقها يمثل فترة انتقالية فوضوية تسهل سيادة العصر الجيوسياسي الحديث مالم يواجه مقاومة سياسية أو تعبوية شعبية تحد من التقدم بالنسبة لهم.
وفي ظل هذه الظروف المختلفة في طبيعتها وماهيتها، برز الأردن كحالة شبه فردية بين دول المنطقة المتمسك بقرار العودة للأصول التاريخية للحالة العربية، وصنف الأردن نفسه كعقبة في وجه التغيير لتمنع أو تحد أو تبطئ من عمل المنظومة التسلسلية الفكرية الجديدة للحالة التي تنوي بعض السياسات فرضها على أرض الواقع، والتي بأي حال من الأحوال لم تكن لتتوقعها نتيجة لتفسيرها اللامنطقي لمجريات الأمور وللسياسة الأردنية. ورغم كل الرهانات الفاشلة، وعبر الموقف الثابت اللاعودة عنه في رفض فكرة التغيير الجيوسياسي نتيجة التوليفة الجماهيرية الأردنية التي مارست دورها لرفض فكرة التحول الحضاري السياسي والعودة للوراء يداً بيد مع الصف السياسي الحكومي الرسمي الأردني، فقد فاجئت الأردن فعلاً هذه القوى السياسية التي اعتبرت نفسها فوق القوانين وخارج عن أي مفهوم قضائي وبرهنت باستمرار بأن الأردن لايجب أن يكون خارج أي تغيير مادي قد يحدث في المنطقة مع تمسك الأردن بكامل الصفات القانونية للمنطقة وشعوبها.
و بالرغم من الأوجاع التي تكبدتهاهذه الجماهير خلال فترة ليست بالبعيدة عن الوضع الراهن، إلا أنها أثبتت أن القضية الأهم تطغى على القضية الداخلية، والذي ساعد بشكل أو بآخر على تماسك الجماهير وتأييدها للقرار السياسي الأردني، لتصبح هذه الجماهير بحالة أو أخرى تمتلك الخصائص الجديدة المختلفة عن الخصائص القديمة لتنطوي بحال أو بآخر تحت القيادة السياسية التي جمعتها الصدفة السياسية المنظمة منذ عقود والتي تحاول المنظومة السياسية الدولية ذات القطب الواحد تطبيقها، لتكسب هذه الجماهير خصائصها وتحدث نهجاً جديداً يحدث تأثيراً على جملة المحرضات التي تخالف عقيدتهم.
وباعتبار أن الأردن أضحى يمثل عقبة أمام تطبيق السلسلة العنصرية الجديدة، فبات من الضروري إيجاد وصفة دسمة يكتبها المفكرون العنصريون الجدد ذوو القطب الواحد لمحاولة تذليل العقبات لتطبيق المنظومة الجيوسياسية التي يرسمونها منذ عقود، والتي بدأت بالانحلال مع ما يسمى بالربيع العربي الذي ساعد على ايجاد هذه الأرضية الخصبة.
وبما أن المنظومة السياسية الأردنية قد قرأت هذا التغيير وتفاصيله بشكل مبكر، وانحازت بشكل واضح ضده، بات عليها لزاماً الاستمرار بتحويل الرفض السياسي لجملة من الضغوطات الشعبوية والسياسية لرفض سياسة القطب الواحد ومعتنقيه، الذين أخذوا دورهم في تحويل الأردن إلى مجرم حرب عبر الساحة الدولية بعد أن بائت كل محاولاتهم بالفشل لثني الأردن عن الاستمرار بالدفاع عن القضايا العربية المشترذمة والتي يرى الأردن أنه قد آن أوان اعادة بنائها لتكون متماسكة بشكل أقرب إلى إرضاء الجماهير العربية المشتعلة، وإيماناً لا رجعة فيه بأهمية تأميم الشعوب لصالح القضايا العربية الوطنية.
وبرغم وجود حالات تستدعي تحويلها إلى قفص الاتهام عبر المحكمة الجنائية الدولية، وآخرها تلك الحالات التي رفضت كل المعاهدات والقوانين الناظمة للأمم العالمية المتمثلة بالعنصرية الصهيونية والأميركية، التي اعترفت بما لا تملك لمن لا يستحق، ووجود العديد من الشخصيات السياسية التي ارهقت أممها بل واغتالتها اغتيالاً اقتصادياً واجتماعياً، لم يبق في الساحة الدولية إلا الأردن لاتهامه بمجرد أنه رفض سياسة التغيير عبر القطب الواحد، وأصر على تطبيق الشرعية الدولية التي يتوجب عليها حماية الدول التي تطبق القانون من التي ترفض القانون. إلا أن المنظومة الفكرية السياسية أبت إلا ان تستمر في التغيير العنصري، ومارست ضغوطاتها للتلويح بالعقوبات التي بدأت بالمحكمة الجنائية الدولية وربما بعض القرارات اللاحقة التي يظن سياسيوها أنها قد تثني الأردن عن قراراته ومحاولة منها لتسميم النفوس عبر الاشاعات. إلا أنه قد غاب عن ذهنهم أن الشعب الأردني مؤهل جداً للانخراط في الممارسة والعمل وإن القيادة الأردنية بسياستها التضامنية مع هذه الجماهير قد أمست أكثر قوة وأكثر حكمة بل أكثر واقعية.