اقتصار مكانة الدولة الاردنية، على "ادوار سياسية" اقليمية تناط بها، نظرة قاصرة، ومشوهة مشبوهة، وانتقاص كبير لمكانة الاردن التاريخية والدينية والدولية والعربية.. وكلمة باطلة، لا يراد بها الا باطلاَ.
ترديد بعض النخب والمثقفين الاردنيين مؤخراً، كالببغاوات، ذات المصطلح، والترويج له بقصد أو دونما، يحّجم من مكانة الدولة الاردنية، ويقزّمها، ويبرمج فكرة عدم استقرار مستقبل الدولة في عقول ابنائها، الامر الذي ينافي واقع مكانة الاردن وصلابة جبهته الداخلية، ورسالته الخالدة، وتضحياته التي قدمت لشعوب الامة العربية قاطبة.
الاردن تاريخياً، ومنذ عصور ما قبل التاريخ دبت حياة البشرية فيه، وشهدت ارضه الحضارات الأدومية والمؤابية والعمونيه والأشورية والآرامية واليونانية والرومانية والكنعانية والبيزنطية والعربية إلاسلامية .. وليس كياناً طارئاً عابراً كما يحاول بعض السذج ترويجه.
وتشهد مملكات العهد القديم في الاردن ، آدوم ومؤاب وعمون، التي كانت بوابات التجارة الاقليمية، على مكانته التاريخية، وصولا للانباط العرب الذين قدموا من شمال الجزيرة العربية واستقروا في منطقة البتراء التي اصبحت عاصمة دولتهم، لتحتل موقعها بين مصر وفلسطين وشبه الجزيرة العربية والعراق وسوريا، ولتمتد من نهر الاردن غرباً الى وادي سرحان شرقاً، ومن بلاد الشام شمالاً، الى البحر الأحمر جنوباً.
مكانة الاردن التاريخية تجسدت حتى في عصر الروم الذين احتلوا بلاد الشام ردحاً من الزمان، فكانت مدن فيلادلفيا (عمان)، وبيلا وأرابيلا (إربد)، وجراسيا (جرش) ، وجدارا (أم قيس)، مدناً تاريخية لها اهمية ثقافية وحضارية وتجارية وصناعية، قبيل ان تقوم للولايات المتحدة ودول اوروبية وغربية وكيانات عربية اخرى قائمة، وقبل ان يذكر التاريخ السيء قيام الكيان المحتل الطارىء على الارض العربية الفلسطينية المحتلة.
والاردن الذي ثبّت نفسه على الخارطة العالمية المعاصرة، كدولة من اهم دول المشرق العربي، وقلبه النابض، وبوابته الغربية، بمواقفه السياسية المتزنة التي شكلت لغة عقل في عالم يعج بالجنون والمجانين، شكل ويشكل حلقة وصل بينَ "بلاد الشام" وفلسطينها المحتلة التي يهرول الى محتلها من يهرول الان من انظمة عربية، وبين دول الخليج العربي، والعِراق، ومصر، وتموضع بمكانة استراتيجية جيوسياسية خطيرة وهامة، من الجهالة والغباء اقتصارها بـ"ادوار سياسية" عابرة.
والاردن الفقير بموارده، الغني بمواقفه، الذي اتخذ على عاتقه ايواء ملايين المهجرين من ابناء جلدته، وتقاسم معهم لقمة عيشه ومائه، في وقت تخلى فيه العالم المتحضر عنهم، وتركتهم أمتهم يلوكون جراحهم وحدهم، من المعيب على احد تناسي "دوره" التاريخي معهم، ومحاولة تحجيم مكانته، فيما الاخرون لم يكن لهم "دور" سوى نكأ جراحهم ..
الواجب الاردني تجاه القضية الفلسطينية، ومصالحة ابنائها، ورعايته للمقدسات المسيحية والاسلامية في مدينة القدس المحتلة، ومواقفه من التنظيمات الارهابية، لم تكن مجرد "ادوار سياسية" يلعبها الاردن، بل هي ثوابت وطنية، تدرس في المناهج المدرسية لاولادنا، ويتنفسها الاردنيون كما الاوكسجين في صدورهم.
الحديث عن "صفقة قرن" يروج لها الرئيس الامريكي دونالد ترامب، ستقصي مكانة الاردن "اقليمياً" بدخول دول عربية على "الخط" .. كلام سخيف جداً، وغير علمي ولا عملي، ولا يمكن تطبيقه على ارض الواقع مع الدولة التي تحتضن السواد الاعظم من اللاجئين الفلسطينيين، وتمتلك ناصية الفصل في الزمان والمكان المناسبين، مثلما لا يتوافق مع موقعها الاستراتيجي الفاصل بين الكيان المحتل ودول التهافت العربي ..
ومع مرور اصعب الازمنة واحلكها على الشعوب والانظمة العربية خلال العقد المنصرم، تهاوت فيه من تهاوت من الانظمة العربية الهشة، وتصارعت في المنطقة وعليها مشاريع دول من خارج المنطقة، مثلما تناحرت فيه شعوب، واريقت دماء، ودمرت مدن وعواصم، ظل فيه الاردن وحده عصياً منيعاً، لم تمسه عواصف الجنون العربي، يثبت دون حاجة للاثبات، ان الدولة الاردنية هي الاكثر قدرة على البقاء والحياة والاستمرار، والاكثر على النماء والازدهار مستقبلاَ، فيما تعيش دول وكيانات وانظمة تحاول تسطيح مكانتها ، على كف عفريت !