دوامة التهلكة
في زمن من الأزمان .. وتحديدا إبان حكم العرب في الأندلس كانت اللغة العالمية هي اللغة العربية ؛ أي أنها لغة الدبلوماسية ولغة التعاملات بين الدول والاقاليم وغيرها ، وكانت اللغة العربية مؤثرة في كل اللغات ، وكان من يبحث عن العلم يستقي من العرب أولا ، ويبحر في مؤلفاتهم ، واليوم حال العرب في انخفاض وانحدار ، كمن يبحر في الهاوية بلا طوق نجاة ، كي لا ننسى أن السر الأول والأهم في تأخر الحضارة عن العرب وأن عمليات الترجمة اليدوية التي كانت في بيت الحكمة ودار الحكمة وغيرها من علوم وحضارة ، وءدت على يدي السلطنة العثمانية التي امتد حكمها أربعة قرون كانت كفيلة بانهاء القوة العلمية والفكرية لدى الحضارة العربية ، ناهيك عن رفضها بعدم إدخال الآلات الكاتبة لدول المشرق تحت ذريعة إنها من الغرب ، وهي أدوات للكفر والزندقة ، وما أن انتهى الحكم العثماني المقيت والذي نكل بالعروبة والعرب ، بثورة أعلنها شريف العرب ، ليبدأ مخطط جديد لتقسم العرب ، سايكس بيكو اللعين كان كفيلا بإعادة ترسيم المنطقة وفرض الانتداب المشرعن بشرعية دولية عقبه بمؤتمر سان ريمو ، وتلاحقت السنين والعرب في تخبطات الاستعمار ، واحتلال فلسطين بدون وجه حق ، وما بين الأمس واليوم وسراب الغد ، وجدنا أن كل مسؤول غربي خدم أمته خير خدمة وخير إخلاص ، فجولدامائير تلك التي أفنت عمرها في خدمة اسرائيل صدقت بتعهداتها تجاه شعبها حين قالت : لن ندع لرأس الحية أن تقوم لها قائمة حين كانت تتحدث عن مصر ، وبالفعل عانت الدولة المصرية من تردي للأوضاع ودخلت في فخ صندوق النقد الدولي ووقعت تحت براثنه وفرضت أسعارا باهظة وسياسات جائرة ليضج الشعب وينتفض بثورة شعب أسماها النظام انتفاضة الحرامية عام 1977، فحين تحول سعر رغيف الخبز من تعريفة إلى "شلن" ، في بلد مكتظ سكانيا ويشكو من ضنك الحياة ، كيف له أن يتقدم ؟! وكيف لمواطنه الذي يعاني من أن يعطي وينتج ؟! ، وبقيت مصر من ذاك الحين غارقة في ديونها ، تشهد فسادا ونهبا وإفسادا منقطع النظير ، ولم تكتفي مخططات الغرب العابثة والطامعة ، ففي بدايات الألفية الجديدة انقضت على دولة صاحبة رابع أقوى جيش بالعالم ، مهد الحضارات ، وأرض الكتابة ، ومنارة العلم الكبيرة ، لتسقط بغداد في نفق مظلم من الحرب والدمار ولتنتهي مع سقوطها حضارة وتصنيع وإبداع ، وهذه سوريا التي اغتصب منها الجولان ، فالتاريخ الذي يكشف المستور دوما ، فضح حقيقة حافظ الأسد الذي باع هذه المنطقة لاسرائيل ، ولم تنتهي مسلسلات التقسيم ، فالغرب عمليون جدا وطامعون جدا ، وأصحاب رؤى بعيدة .
ففي عام 2006 ظهرت خريطة جديدة تحت عنوان مشروع الشرق الأوسط الكبير ، والذي احتضنته إعلاميا كونداليزا رايس التي اختارت عنوانا ماسونيا خالصا يسمى "الفوضى الخلاقة" ، وهذا المخطط لم يكتمل بعد ، بل إن ثورات الربيع العربي التي تحولت إلى خريف ، عجلت لهذا المخطط بالانفراج ، فغضب الشعوب وسخطها على الأنظمة وشطط حكامهم تم تحويره واستغلاله لخدمة تلك المخططات ، حيث أن هذا الخريف خرج من دون مشاريع نهضة تقوم بها الدول من جديد .
كنا بالأمس ننادي بوحدة الوطن العربي واليوم بتنا باحثين عن وحدة الدولة العربية الواحدة ، ونحن الآن على قيد هذا المخطط الذي سيقسم 5 دول (سوريا ، العراق ، السعودية ، اليمن ، ليبيا ) إلى 14 دولة جديدة ، فعراق الرافدين سيصبح شيعة ستان وسنة ستان ، فمباركة إيران لن تغيب عن اتمام هذا المخطط ، والمليون ايراني ونصف الذين جنسوا بالجنسية العراقية عقب سقوط بغداد لم يكونوا إلا سائرين على طريق الخطوة الأولية لهذا المشروع ، وحين تتمعن في خارطة الوطن العربي ستجد أن ما تحدثوا عنه الغرب حدث بكل دقة ، وما ذكره بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق في إدارة جيمي كارتر ، قد نفذ بالفعل ، حين أخبر بأن منطقة الشرق الأوسط ماهي إلا "قوس الثورات و الأزمات" ..
وما هو مغيب عن العرب اليوم ، في ركاب سخطهم ومشاحناتهم المستمرة ، وسياسات فرق تسد التي سقطوا في شباكها ، هو أن هنالك قواعد لاتخفى عن من يقلب في بطون الكتب السياسية وهي أنه لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون سوريا ولا قوة من دون العراق ولا دبلوماسية بعيدا عن الأردن .