يتيه الكاتب اليوم في ملفات العرب اليومية ولا يدري من أي باب يدخل ومن أي زاوية يخرج، الملفات أمامه أكثر من أن تحتمل، والآراء فيها أصعب من العلقم؛ خاصة إذا كانت هي العلقم نفسه، إذ لم يمر على العرب زمن صعب كهذا الزمن الذي أصبحوا فيه فرجة للعالم بكل معنى الكلمة خاصة حين نشاهد القتل المجاني اليومي في كل مكان ومن يتأمل حال العالم العربي واوضاعه يتذكر مسرحية «كاسك يا وطن» ومواقفها المضحكة حين انتهى غوّار الى مخاطبة والده في دار الحق (وهو ثمل)قائلا عن أمته: صرنا فرجه يا أبي ،وعالمنا العربي صار اليوم فرجة العالم بما يدور فيه من فوضى وقتل ودماء ومقابر جماعية واضطرابات وانتزاع للقيم النبيلة والشهامة والكرامة.
وما ان تتناول قضية حتى تنفتح أمامك قضايا لا نهاية لها ،فها نحن امام حالة مصرية غير مسبوقة تسمع الجميع يقولون: «الثورة اختطفت, الفلول يعودون, الإخوان سيغلقون مصر ويسدون أبواب مسار التحول الديمقراطي» بهذه العبارات يصف نشطاء الثورة المصرية الشباب، وهو ما يعبر عنه أيضاً العديد من مثقفي النخبة، وفي المقابل يدافع مرشح حزب الحرية والعدالة عن الثورة واستمرارها.واعتبرت الجماعة ان الثورة في خطر.ويتعهد شفيق بعدم إعادة إنتاج نظام مبارك وبأن يعيد «الثورة المختطفة» للشباب.
بين هذه المفارقات أين تقف مصر الآن, وما هو مصير مسار التغيير الحقيقي, هل سيخسر الجميع نتائج هذه الانتخابات، لكن لماذا هذه السوادوية المصرية؟ إنه المجهول وعدم الثقة بالايام القادمة والمصريون لم يجربوا في تاريخهم الحديث غير حكم العسكر، وبالتالي هل من ثقة بحكم الاسلاميين؟ أم أن رموز الحكم السابق ستعود، إنه الزمن المصري على محك الاسئلة، إنه زمن تختلط فيه الرؤية فلا هذا التيار مع تلك النتائج ولا ذلك الحزب يطمئن للمستقبل أما عامة الشعب المصري فهم في خط الانتظار، وحين تقف في حوران لا تدري عمّن تتحدث عن سورية الدولة أو سورية الشعب، عن النظام أو عن المعارضة عن الثكلى والحزانى أم عن الدمار والحراب المشرعة عن المجازر اليومية أم لعبة الأمم، تصعيد لا يبقي ولا يذر وشعاره الشجب والاستنكار والدمار، وإذا ذهبت إلى العراق يختلط الاخضر باليابس تنظر في عيون العراقيين فلا تجد غير صبر القلوب والعقول وكأن العراقي في بحر لجي ليس له قرار، وعندما تقف في لبنان تجد فيه الجميع يستعد لجولة جديدة من الحصاد المر، والاوجاع والفرقة والتدويل، ها هم ينقسمون كما في سورية القاتل والقتيل في حزن مستطير ،أما السودان فمن دار فور حتى الخرطوم ومن جوبا وبلاد النوبة إلى حلايب ومن اعالي النيل إلى أي بقعة فيه لا تدري الى اين يتجه هذا التيه، ولا تعرف الى اين ينتهي الوجع بعد سنوات عجاف من طحن الدماء؛ أمّا البلد الذبيح الصومال فقد نخرته سوسة الاعداء وانهت وجوده حتى غاب الصومالي بالنسيان والاهمال؛ ليبيا وتونس تغرقان في اسئلة الزمن الصعب، الكعكة لم تنضج والناس في حيرة، ولا ندري اين تتجه البوصلة بعد الآن؛ وقد اصبحت أمتنا في مهب الريح تغرق في دمائها واحزانها.
إذاً، لا بد من استنهاض كل الهمم العربية لاجل مستقبل الانسان العربي ولإخراجه من حالة التيه والضياع ،ومعرفة الحقيقة ورؤيتها كاملة تضعنا امام المسؤولية الصادقة مع أنفسنا للوصول الى قراءة واعية لما يخطط لهذه الامة من ويلات ومشاريع قد تضيع الأمة كلها في اتونها وحينها لا ينفع الندم، فهل نبصر وندقق فيما يدور حولنا؟ الايام قادمة وقد تكشف لأمتنا المزيد من الأوراق وما يدور خلف الجدران المغلقة.
[email protected]