سننتظر ما تفرزه الانتخابات الرئاسية المصرية، ولكن النتائج الأولية تقول أن ما يقارب 40% من المصريين صوتوا للحرس القديم (أحمد شفيق وعمرو موسى)، وهو أمر يجب التوقف عنده طويلاً أكثر بكثير من النتائج الأخرى، فبعد ما يقارب العام ونصف العام من شيطنة نظام الرئيس المصري محمد حسني مبارك، والهجوم عليه في جميع وسائل الإعلام وعدم السماح لأي طرف بالدفاع عنه أو بتبرير أخطائه، استطاع الرجلان المحسوبان على (الحرس المباركي) حصد أربعة أصوات من كل عشرة.
النتائج الأولية تبرر (الخوف) الذي انتاب (الثوار) المصريين من إمكانية خوض، مدير المخابرات المصرية السابق ونائب الرئيس المصري مبارك لفترة أسبوعين، عمر سليمان الانتخابات الرئاسية، وتفسر سبب تسرعهم بإصدار تشريع (العزل السياسي) الذي بموجبه يمنع أي شخص تولى بعض المواقع المتقدمة في ظل حكم مبارك لمصر من الترشح للانتخابات، وهو يقصد تحديداً عمر سليمان وأحمد شفيق.
فالإسلاميون وحلفاؤهم ممن (ثاروا) ضد مبارك ونظامه لا يؤمنون تماماً بالديمقراطية، بل هم يحاولون إقصاء خصومهم قبل خوضهم الانتخابات والتوجه إلى صناديق الاقتراع، كما يمارسون تقييد الحرية الإعلامية بحيث يحظرون أي كلام إيجابي عن الحقبة السابقة، في الوقت الذي يسمحون بالتهجم عليها وإظهار عيوبها، وهو ما يعطي الانطباع عن مدى ديمقراطية (الثوار).
الإعلام الذي استخدم لتمجيد الثورات في الوطن العربي وهاجم الأنظمة (البائدة) التي دمرت دولها، الإعلام الذي استخدمته جهات ما لإشعار المواطن العربي بعدم الارتياح من دولته ووطنه، وعبر بث الكثير عبر إعلام الكراهية لم يستطع في لحظة الحقيقة أن يخفي أن المواطن العربي غير مقتنع تماماً بـ(الثورة)، هذا ما أظهرته الانتخابات الرئاسية المصرية، فنسبة من قاطعوا الانتخابات تقارب 50%، أي أن نصف الشعب المصري صوّت ضد الانتخابات الرئاسية، وهو مؤشر خطير لا يجوز تجاوزه.
إن ما يقارب ثلثي المصريين صوتوا ضد الثورة المصرية (50% من المصريين لم يصوتوا + 20% صوتوا لأحمد شفيق وعمرو موسى)، والسؤال هو هل كان (ثوار) مصر ديكتاتوريين لدرجة أن أقل من 30% من المصريين يتحكمون بمصير مصر ويحكمون الأغلبية الساحقة، وهل هذه (الثورة) تشرع لنفسها هذا السلوك الديكتاتوري لأنها محصنة إعلامياً، وضامنة أن لا أحد قادر على الخروج عن النص المكتوب، وبالتالي ما الذي ينتظر (الثورة).
فوز أحمد شفيق في انتخابات الجولة الثانية، إذا حدث، سيقرؤه الإعلام على أنه تراجع عن (الثورة)، في حين أن قراءة خارطة المجتمع المصري تشير إلى أن المجتمع المصري استعاد دولته ممن اختطفها تحت مسمى (الثورة)، وفي حال انتصار محمد مرسي في انتخابات الجولة الثانية فإن الدولة المصرية تكون قد اختطفت مرتين، الأولى من قبل (الثورة) والثانية من قبل الإخوان المسلمينٍ.
الانتخابات الرئاسية المصرية يجب قراءتها بهدوء، وإدراك أن الصخب الدائم الذي تحدثه مجموعة من الأشخاص والقوى يرافقها ويدعمها الإعلام ليعطيها حجماً سياسياً أكبر من حجمها ستواجه الحقيقة، ولن يساعدها الإعلام حينها، وستنكشف أساليب الخداع التي استخدمت ومورست لتسويق الانقلابية على الوضع القائم حينها دون أن تملك شرعية الشارع كما ادعت وصورت كاميرات الفضائيات.
المهم بالدرس المصري هو أن نعي ذلك في أوطاننا، فالصخب الذي تقوده فئات محددة وبعض من يريدون (ركوب الموجة)، مدعومين من إعلام توجهه جهات ما، ويريد إظهار أن حالة من عدم الارتياح أو رفض الوضع القائم بصورة تدعو إلى تغيير المعادلات والقوانين الحاكمة، وتحت شعارات رنانة، كل ذلك يجب أن لا يخفي الحقيقة وهي أن الإصلاح الهادئ والمدروس وغير (الانقلابي) هو الذي نريده، وهو الذي يضمن أن نتقدم خطوة تلو أخرى دون أن نتراجع إلى الوراء.