آخر الأخبار
  توجيه صادر عن وزير الاشغال العامة والاسكان المهندس ماهر ابو السمن   تعليق رسمي أردني على مذكرة اعتقال نتنياهو   تركيب 170 طرفا صناعيا عبر مبادرة (استعادة الأمل) الأردنية في غزة   الصفدي: تطهير عرقي لتهجير سكان غزة   هل ستلتزم دول الاتحاد الأوروبي بقرار اعتقال نتنياهو وغالانت؟ جوزيف بوريل يجيب ..   الملك يؤكد وقوف الأردن إلى جانب الأشقاء اللبنانيين   هام لطلبة الصف الـ11 وذويهم في الاردن .. تفاصيل   السفير البطاينة يقدم أوراقه لحلف الناتو   100 شاحنة جديدة تعبر من الأردن لغزة   القضاة يؤكد دعم الأردن لفلسطين اقتصادياً   العرموطي يوجه سؤالا نيابيا للحكومة بشأن السيارات الكهربائية   بدء تنفيذ سحب مياه سد كفرنجة وتحليتها بـ 14 مليون دينار   لجنة أممية تعتمد قرارات بشأن الاستيطان والأونروا والجولان   قائد قوات الدعم الجوي الياباني يشيد بدور الأردن في تحقيق الاستقرار   لأول مرة .. 51 الف طالب وافد في مؤسسات التعليم العالي الأردنية   الأمن العام ينفذ تمريناً تعبويًا لتعزيز الاستجابة للطوارئ   وزير الزراعة: خطط لتوفير 500 مليون دينار في 4 اعوام   الأردن.. ارتفاع تغطية الإيرادات المحلية للنفقات الجارية   الحكومة تقرُّ مشروع قانون موازنة عامَّة للعام 2025   إعلان قيمة زيادة الحد الأدنى للأجور في هذا الموعد

هل نواصل الاستمرار بتجاهل البديهيات؟

{clean_title}

 

بعد ما يقرب من عام ونصف العام، على بدء الحراك الشعبي المنتظم في الاردن وعلى الثورات العربية في المنطقة، لا يبدو ان القوى المناهضة للإصلاح في المملكة، قد استوعبت الدرس الأساس، وهو ان الاردن لا يمكن ان يدار كما كان عليه الحال في السابق، وان العناد او التردد الذي تبديه هذه القوى، لن ينتج عنه استقرار مستدام. 
كما ان من الصعب الادعاء بأن الاردن يسير بخطى ثابتة نحو الإصلاح بعد اربع حكومات اتت منذ بداية الثورات العربية. 
إن اية مقارنة مع دولة كالمغرب، لديها ايضا نظام نيابي ملكي، تظهر مدى تأخرنا في عملية الإصلاح، في حين عدل المغرب دستوره وطرحه في استفتاء شعبي، وقام بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتم تشكيل حكومة ائتلافية يرأسها الحزب الذي فاز بأكثرية، كل ذلك في ظل نظام ملكي لم يتعرض لهزات من جراء ذلك، بل نجح بايقاف الحراك الشعبي، بعد ان تولد شعور بأن هناك ارادة سياسية للمضي قدما في عملية إصلاح جادة ومستدامة.
فهل يعقل أننا ما نزال نتحدث عن خصوصية أردنية، وغير قادرين على الاتفاق على قانون انتخابات عصري وعادل وأكثر تمثيلا؟ هل يستقيم أننا لن نجري انتخابات جديدة حتى بعد مضي عامين على بدء الثورات العربية؟ متى نصحو من هذا الحلم المسكون به البعض، من أن لدينا كل الوقت، او أن الامور يمكن ان تعالج خلال إصلاحات هامشية، لا ينتج عنها فعليا توسيع دائرة صنع القرار وتطبيق مبدأ سيادة القانون؟
بعد ما يقرب من عام ونصف العام، يبدو ان الحاجة ما تزال موجودة لتعريف الإصلاح والاتفاق على بنوده بعد ان "ضاعت الطاسة" بين مسؤولين يتحدثون عن الإصلاح دون الايمان به، وحراك يأخذ احيانا طابعا مطالبيا دون الالتفات الى قدرات الدولة، وفي غياب خطة اقتصادية واضحة للمستقبل.
من البديهي القول إن أي إصلاح حقيقي، يؤدي في نهاية المطاف الى إعادة تقاسم السلطات الثلاث، بما يكفل عدم تغول واحدة على اخرى، وهو إصلاح يؤدي الى تنمية مستدامة، تبتعد عن النظام الريعي الذي انتهجته الدولة منذ نشوئها، وتعمل من اجل نظام يعتمد الكفاءة والإنتاجية اساسا للنشاط الاقتصادي، ويكفل العيش الكريم للفئات الأقل حظا.
ما السبيل لتحقيق ذلك؟
ان من اهم الخطوات، الاتفاق على عقد اجتماعي جديد بين الحكم وكافة مكونات المجتمع الأردني، يُتخذ كإطار توافق مجتمعي، يتم تضمينه في الدستور، ويشكل منظومة لا تمس من الحقوق والواجبات الفردية والسياسية. 
إن توافقا كهذا، لا يمكن الوصول اليه الا من خلال آلية يقودها جلالة الملك، بحيث يشمل هذا التوافق المبادئ التالية:
ا. الاتفاق على المظلة الهاشمية كضمانة للحكم وكجامع لكافة القوى السياسية والاجتماعية في البلاد.
ب. الاتفاق على الوسائل السلمية، طريقا وحيدا لممارسة العمل السياسي.
ج. الاتفاق على التداول السلمي للسلطة في كافة الاوقات والظروف، وان الشعب وحده مصدر السلطات، يأتي بقوى للسلطة ويخرجها منها وفقا لصناديق الاقتراع.
د. الاتفاق على صون الحريات الفردية، و"بالعربي الفصيح" لا يستخدم الاخوان المسلمون تفسيرهم للدين لفرض نظم حياة معينة على الناس، ولا تنتهك الحريات الفردية بسبب آراء الناس السياسية.
هـ. حسم موضوع الهوية الاردنية التي لا يصح بحال من الاحوال تركها غامضة وعرضة للأهواء وللاقصائية، وتفعيل النص الدستوري ان الاردنيين متساوون بغض النظر عن الدين والعرق واضافة الجنس لذلك، وعدم ترك ذلك الحسم أسيرا لحل النزاع العربي الاسرائيلي.
وبتحقيق ذلك، يجب الانتهاء من الخوف من وصول الاسلاميين للسلطة، كما يجب الانتهاء ايضا من السياسات الإقصائية والاستئثارية في بعض الاحيان من قبل الدوائر الامنية، او بعض من المسؤولين في الدولة.
لم يفت الوقت بعد للاتفاق على هذه الامور الجامعة، ولكن لنتحدث بصراحة، فإن التلكؤ في المضي قدما بهذه العملية، سيجعل مثل هذا الاتفاق اكثر صعوبة في المستقبل غير البعيد. أما إن تم ذلك، فإنه سيفتح المجال امام عملية إصلاح جادة ومستدامة، وبخطى أسرع، هي وحدها من سيضمن، ليس فقط الاستقرار المنشود، بل الازدهار ايضا. ان اهم بنود هذه العملية هي:
ا. قانون انتخاب لا يقف عند واقع المجتمع الاردني اليوم، بل ينطلق منه ليؤسس لحياة حزبية فاعلة، ينتج عنها حكومات منتخبة من قبل الشعب، ومجالس نيابية قادرة على إنهاء حالة التبعية للسلطة التنفيذية، والقيام بمهامها الرقابية والتشريعية على اكمل وجه، وهذا يتطلب بالضرورة الابتعاد عن الصوت الواحد، الذي صمم لتكريس مبدأ التبعية، وانتاج مجالس بلدية مكبرة وليس مجالس نيابية، كما يعني بالضرورة تكريس مبدأ القوائم النسبية، وزيادة عدد المقاعد المخصصة لها تدريجيا. ففي غياب ذلك، لن نتمكن من تحقيق ما ينادي به جلالة الملك من حكومات تشكل من الأكثرية النيابية في المستقبل، وفقا لبرامج واضحة تنتخب على اساسها.
ب. ضرورة انتخاب مجلس الأعيان، بحيث يتم تخصيص عدد متساو من المقاعد لكل محافظة، لتحقيق التمثيل الجغرافي، بغض النظر عن عدد السكان، ولكن عن طريق الانتخاب لتقوية دور مجلس الاعيان التمثيلي، ولترك المجال لإنتاج مجالس نيابية اكثر تمثيلا للبعد السكاني وأكثر قدرة على تكريس العمل الحزبي، وسيلة لفرز القيادات السياسية من موالاة ومعارضة، تتناوب على السلطة.
ج. تكريس مبدأ استقلالية القضاء عملا وليس قولا، وتجريم التدخل في عمل القضاة، وإنهاء وجود أي محاكم غير نظامية كمحكمة امن الدولة.
د. شطب النصوص الدستورية التي تقيد حريات المواطنين التي كفلها الدستور نفسه بالقوانين، واضافة نص دستوري بعدم جواز اقرار اي قانون، يقيد ما كفله الدستور من حقوق.
هـ. الاتفاق على خطة اقتصادية طويلة المدى، لا تتأثر بالتغيير السريع للحكومات، قوامها المعالجة الجذرية للاختلالين الرئيسين للاقتصاد الاردني، وهما البطالة وعجز الموازنة. وفي حين لا توجد عصا سحرية لحل هاتين المشكلتين، فإن علاجهما ليس بالمستحيل، ولكن هذا يتطلب فلسفة جديدة وإرادة سياسية، بالابتعاد عن النظام الريعي للدولة الذي لا يمكن له علاج هاتين المشكلتين، بل يسهم بمضاعفتهما، وانتهاج بدلا من ذلك فلسفة جديدة، تعتمد الكفاءة والانتاجية، يرافق ذلك دور للدولة بالرعاية الاجتماعية للفئات متدنية الدخل، ما يؤدي الى الانتهاء من الاعتماد على المساعدات الخارجية خلال فترة معقولة (عشرة أعوام)، وبناء اقتصاد ذاتي النمو مستدام. 
وقد فعلت ذلك عدة دول تشابهنا في صغر حجمها وشح مواردها الطبيعية، وتختلف عنا في التشبث بأنظمة ريعية لم تعد قادرة على مواجهة مشاكل اليوم.
لقد تمت ادارة الدولة في الماضي وفقا لنظام ريعي، استهدف كسب ثقة مجموعات من الناس على حساب عامة الشعب، على اساس إن من شأن ذلك تحقيق الاستقرار السياسي.  وبدلا من ذلك، ادت هذه الفلسفة على المدى الطويل الى العكس تماما، ولم تنجح في تجنيب البلاد الحراكات الشعبية في المنطقة ولم تعالج المشاكل الاقتصادية، حتى وصلنا الى مرحلة قد تؤدي تبعيات هذه السياسات من إنفاق غير مبرر وتوظيف غير مثمر، الى تهديد الاستقرار السياسي التي تدعي هذه السياسات، إنها تريد المحافظة عليه. فإلى متى يستمر اللعب بأقدار هذا الوطن من اجل حفنة امتيازات لحفنة من الناس؟
للأسف، ان كل ما اسلفت، يندرج تحت باب البديهيات في العديد من الدول التي سبقتنا في مجال التنمية، اما نحن، فما يزال البعض يكابر في المحسوس، فهل نتعظ وما يزال لدينا بعض من وقت؟