في فصل الربيع ،عندما كانت تغصّ حاكورتنا بالعشب الطويل الناعم..ويبدأ النوّار الأبيض يبزغ من على اصابع اللوز والكرز ، ورائحة الأقحوان الأصفر تعلق طويلاً طويلاً فوق باطن اليد وعلى حجول البناطيل..في خضم هذه الرومانسية الفريدة ..كنت بمنتهى اللؤم والدموية أجهّز «شنكلاً/ نقيفة» بمواصفات خاصة ؛ سلستان طويلتان من المطاط ، في كل سلسلة اثنتا عشر حلقة ، في كل حلقة 4 مطاطات ، مقبض الشنكل ، عادة يد «دلو دهان ناشيونال» ،اما حاضنة «الشنكل» فهي لسان «بوط صيني قديم» أو قطعة من الكتان السميك..
وقت الضحى..امشي بخفة بين الزيتون والرمان ارفع بصري قليلاً الى نهايات الاشجار « لاصطياد «الدويريات» الصغيرة المختبئة بين الأوراق أو براعم الثمر، أحياناً كانت تتقاطع صورة العصفور مع طائرة تخطيط تمر في سمائنا تاركة دخاناً ابيض، يتبدد الدخان في بطن السماء، ثم يتبعه صوت انفجار بعيد: «لقد انهوا المهمّة»..
عندها أبدأ أنا مهمتي، كنت أخصائيا في صيد العصافير « أول الطيران»..فهي قليلة الخبرة في الالتفات الى مكامن الخطر «شرواي»، وبطيئة في ردة الفعل ..وبريئة الى حد انعدام الخداع أو المراوغة او الاختباء..أقرمز تحت الشجرة..ابحث عن زاوية أفضل للتصويب بعيداً عن الاوراق الكثيفة والأغصان الغليظة خوفا ان يصطدم الحجر بها وتضيع عليّ متعة القنص..وعندما تسنح الفرصة..أتناول «حصىً»مناسبة أضعها في لسان الشنكل..امطّ السلسلتين بكل ما اوتيت من قوة بينما أسناني تعضّ على شفتي السفلى..ثم،..... «بُجّجججج»!! لقد اصطدته.. يتهاوى العصفور من غصنه محدثا خشخشة محزنة بين أوراق الخوخ..ليستقر في حوض الشجرة نازفاً لاهثا..بحزن، أراقب صدره الذي يصعد وينزل بسرعة وهو يلتقط آخر أنفاسه..وبرهبة، أرى خيط الدم الرفيع يتسلل من تحت رأسه الطري.. لكني اظل جالساً فوق جسده الرمادي علّه ينتهي من لعبة النزف ويتعافى فأضعه في قفصه «ليغرّد» لي وقتما أشاء ..لكن في كل مرة كان يخذلني هذا الكائن الرقيق ، عندما يرخي أظافره الرفيعة ويفرد جناحيه ويموت..
***
الانتخابات في سوريا «تشبه صيد الدويريات».. الشعب ينزف ويلهث ، وخيوط الدم تنسج كفناً احمر تحت رؤوس القتلى..بينما تقف السلطة فوق جسد الشعب المسجى لينتهي من لعبة النزف..راجية أن تسمع زقزقته في «صندوق» الاقتراع.... وقتما تشاء..
من ينزف.. كيف يغرّد ؟!!
[email protected]