وَصل عدد القتلى منذ بداية وصول المراقبين الدوليين إلى سوريا إلى نحو سبعمائة بالإضافة إلى أعداد غير معروفة من المعتقلين والمفقودين لكن ورغم هذا كله ورغم تصاعد العنف على غرار ما حدث أيام المراقبين الذين أرسلتهم الجامعة العربية بقيادة الجنرال مصطفى الدابي والذين انتهت مهمتهم إلى الفشل الذريع فإن الناطق باسم كوفي أنان يتصرف على أساس أنه «شاهد ما شافش حاجة» ويقول أن الأمور تسير على ما يرام وأن مهمة المبعوث الدولي والعربي تحقق نجاحات جيدة.
والغريب أن كوفي أنان قد طلب من الأمم المتحدة وربما من الجامعة العربية أيضاً «موازنة» له ولفريقه لمدة عام مما يعني أنه يخطط لإقامة طويلة وأنه مرتاح لتعايش العالم مع هذه المأساة الدامية والمدمرة وتَعوُّده على سماع الأرقام التي تتحدث يومياً عن عشرات ومئات القتلى ومرتاحٌ أيضاً لانزياح الأضواء عن الخبر السوري وتحويله من خبر طليعي ورئيسي إلى خبر يأتي في الدرجة الثانية أو الثالثة في وسائل الإعلام العربية والعالمية.
كان على كوفي أنان أن يلتزم بما ورد في الخطة التي جاء لتنفيذها والتي تنصُّ أول ما تنصُّ على الالتزام بوقف إطلاق النار ،من قبل نظام الأسد أولاً ومن قبل المعارضة والجيش السوري الحر ثانياً، وسحب القوات السورية بدروعها ودباباتها وأسلحتها الثقيلة من المدن والقرى والعودة إلى المعسكرات التي كانت ترابط فيها قبل انفجار هذه الأحداث المتصاعدة في الخامس عشر من آذار «مارس» عام 2011.
لكن هذا لم يحصل حتى الآن رغم كل هذه الفترة منذ وصول طلائع المراقبين الدوليين إلى سوريا مما يعطي مصداقية لانطباعات الذين يقولون أن أنان عبارة عن «دابي» جديد وأن مهمته قد تحولت إلى إعطاء فرصة أخرى لنظام بشار الأسد على غرار ما حصل على مدى نحو عام وأكثر كي يواصل عمليات التقتيل وكي يستمر بالتنكيل بالشعب السوري الذي بات في حكم المؤكد أنه ماضٍ في ثورته ،التي بدأت سلمية وحوّلها هذا النظام إلى أنهارٍ من الدماء، حتى النهاية أي حتى إزاحة هذه السلطة الاستبدادية المستمرة منذ أكثر من أربعين عاماً وإقامة سلطة وطنية وتعددية وديموقراطية تُدخل سوريا في القرن الحادي العشرين والألفية الثالثة.
والملاحظ أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يقول إزاء عمل المراقبين الدوليين واستمرار القتل وشلالات الدماء في سوريا غير ما يقوله مبعوثه ومبعوث الجامعة العربية كوفي انان مما يعني أن هذا الأخير ربما دخل على خط الصفقات السياسية الخاصة وربما أن قوات الأمم المتحدة التي وُضعت بإمرته قد تحولت إلى ما كان حصل مع قوات الجامعة العربية بقيادة مصطفى الدابي التي كانت نهايتها أنها اكتفت من الغنيمة بالإياب وتركت قوات بشار الأسد لتستكمل ما كانت بدأته بعد الخامس عشر من آذار «مارس» عام 2011.
وهذا يضع الجامعة العربية التي شاركت الأمم المتحدة في تكليف كوفي أنان بهذه المهمة أمام خيارين فإما الطلب من الأمين العام بان كي مون سحب أنان واستبداله بآخر أكثر حيادية وأكثر مصداقية وإما إنهاء هذه المبادرة التي تحولت إلى مجرد فرصة لإعطاء نظام بشار الأسد المزيد من الوقت ليواصل ذبح شعبه ويواصل دفع سوريا إلى التمزق والحرب الأهلية.. أما أن يتواصل كل هذا الذبح أما عيون المراقبين الدوليين فإنه عار على مجلس الأمن الدولي وعار على عرب موقف اللون الرمادي وأنه من الأفضل ترك الشعب السوري ليقلّع شوكه بنفسه.