الأردن..بعد طول غياب "1"
كتب: رأفت ساره
تمتلئ الشاشة بلقطة عامة تأخذنا الكاميرا فيها لأسفل سيارة حيث تنزل قدم رجل نرى - حذائه فقط – وغالبا لون ملابسه الأسود وبعد ثوان تنزل الأخرى فيكتمل المشهد من الأسفل ..ويصبح لون الحذاء الاسود مع الشارع الاسود مع السيارة السوداء "كتلة من الهبل" .. وقد ادركت هوليود ذلك فلم تعد ترينا هكذا منظر..لكن منظر المسافر الى بلده مهما اجتهدت السينما في تصويره لن يكون واقعيا كما يحدث على مسرح الحياة.
والحياة في الاردن تغيرت ، أشياء كثيرة تغيرت ، ازداد عدد "المولات" وكثرت السيارات و البيوت وانتفخت جيوب كثر و"فضيت " أخرى ..وهذا شيء عادي يمكن لأية قطه صغيره ان تراها من فوق سطح اي بيت في جبل الجوفة أو النصر.
لكن ما الذي تغير، بالنسبة لي شخصيا، أنا الأكبر من القطة قليلا وأصغر من حالم صغير كان يفضل ان تتجمد الأشياء بدل ان تكبر الندوب وتتعمق الجروح.!
أولا "والكلام عن بعض وليس كل " ..صارت الشتائم مجانية أكثر من نسمة هواء تغزوا رئاتنا ، وبات ياتي شبان ليعلبون الكره في الحارة والحي ، واذا بزميل لهم تاخر قليلا ، يقبله احدهم ويقول له "وينك يا اخو ال....." ثم يدنو منه ثان ليقول له " اشتقتلك يفضح عرضك، وينك يا زلمه " !!
تبدأ المباراة الودية فيتعرى جسد العائلة وخصوصا النساء فيها ،، يصبح الجسد كله وليمة من شتائم يتناولها الشباب اثر كل هجمة او تمريرة او حتى استراحه على اكلها ، وقد تضاف بعض البهارات كشتم الدين أو الرب جل جلاله ،،،صار اللسان مغمسا بشتائم او هكذا كنا نظنها فباتت زادا يوميا يمر من بين الشفاة التي تمرر اليها يوميا الاف "المجات" من السجاير والاراجيل التي غزت البيوت ، فصار "الولد" يدخن امام ابيه وامه بل ويشاركهم التدخين و" الأرجلة" ..وهذا فعل جديد تطلبه المرحلة ، مرحلة تدخين الأطفال الرضع !
والدخان مع القهوة التي صارت في الشارع ، في البيت ، في كل مكان عادة وموضة ..هما طبقا لملاحظاتي أكثر ما يطلبه الجميع، وأكثر من يستنزف الجيب ،،والجيب ان كان ممتلئة فعندها يصبح الكلام عن شرب القهوة او التدخين ..جريمة كبرى ، بل محرمات لا يجدر الخوض فيها ، طيب ماذا لو كان الراتب بالكاد يكفي لعلبة سجائر وكوب قهوة ، فما الذي سيبقى "للمشحره " و"الأرانب " التي تملئ البيوت ؟
أعرف ملكة جمال، وملكة اخلاق تزوجت من شاب يضيف لرئتيه كل يوم عشرة رؤوس من الاراجيل ، وبالطبع امتلئ بطنها بالأطفال، وبيتها الروائح الكريهة ، وبمرور الوقت لم يعد "صاحبنا" قادرا على دفع الايجار فنزح الى بيت والده وهناك وجد هو وعائلته المصونة غرفة على السطوح فارغة ..لم فيها البطة وفراخها ..ثم لم يعد قادرا على الايفاء حتى بالتزامات الغرفة التي كانت عرينا للحيوانات ووكرا للطيور ..انهار كل شيء وأضيفت الزوجة وأرانبها لبيت العائلة الكبيرة ...وبقيت الارجيلة في فمه !
يمكنك ان تسب الدين والوطن ، الدول الشقيقة والصديقة، الحياة والقدر لكن اياك ان تنهى اردني عن التدخين وشرب القوة ، اياك ان تحسب له على اصابع يدك كيف يخسر يوميا دينارين الى ثلاثة على هاتين السلعتين،فهما من يعدلا مزاجه ، بدونهما لا يمكن لكثير من الاردنيين ان يفكرون او يتحدثون أو يكونون ما يكونون عليه ، يطلب القهوة ل"يصحصح" ثم يرتكب الخطأ تلو الخطأ ، يريد ان يعدل مزاجه فيصبح كثر قتامة وسوداوية من ذي قل ، وان مرت نسمة هواء من جانب انفه وهو لا يريدها يغضب ، ، يسب اهله وذويه وفصيلته التي تؤويه ..ولا يسب أو يحاسب نفسه ، فهو الامر الناهي ، هو الصح المطلق، هو الذي يمكنه ان يصحو من النوم في اي وقت يشاء ، وان يذهب للعمل ظهرا او عصرا ..وان وجد نفسه مطرودا من العمل عندها يصبح المجتمع مقصرا والحياة صعبة لا تطاق ولا بديل عن الرحيل او شتم مالا يشتم.