الكثير من الناس العاديين لم يسمعوا باسمه إلا بعد اغتيال رفيق الحريري في «عيد الحب» من عام 2005، لكن بالمقابل كان يعرفه كل من له علاقة بالعمل السياسي والعسكري في لبنان أو سوريا، والأغلبية منهم كانوا يتزاحمون للقاء عابر معه في مقر عاصمته الأمنية في عنجر بزحلة، وكانوا يتفاخرون في مجالسهم الخاصة أنهم جلسوا معه أو بادلوه الرأي، رغم انه لم يكن يسمح لأحد بإبداء رأيه وكان دائما يعطي الأوامر وللجميع، ببساطة كان الرئيس الحقيقي للبنان منذ أن تسلم منصبه كرئيس للاستخبارات العسكرية السورية في لبنان عام 2002 خلفا لغازي كنعان.
بعد اغتيال الحريري سقطت هيبة الرجل، كما سقطت هيبة الاحتلال السوري للبنان واخذ المعارضون لهذا الاحتلال ينددون ببشار الأسد وبرستم غزالي (كان الكثير من اللبنانيين العاديين حتى بعض السياسيين يعتقدون انه علوي) وأيضا بقادة الأجهزة الأمنية اللبنانية فقد اتُهموا كلهم بأنهم يقفون وراء اغتيال الحريري.
عاد غزالي لدمشق وكلف بالمسؤولية عن ريف دمشق ولبنان كان هو المسؤول عن بقية الاغتيالات التي طالت سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وغيرهم، ببساطة كان الرجل بمثابة الوحش الجديد للرئيس بشار الأسد الذي استغنى عمليا عن كل «وحوش والده الأمنيين» واستعان بوحشه الجديد.
تملك غزالي الغرور القاتل بعد نيله رضا الرئيس ورضا «الرئيس المكرر» ماهر الأسد وبات الرجل الأقوى في منظومة الأمن للنظام بل أقوى من آصف شوكت صهر الرئيس زوج بشرى الأسد، وكان التنافر كبيرا بين غزالي وآصف بسبب كراهية ماهر الأسد لصهره الذي اغتيل في تفجير تطارده مئات الأسئلة لمبنى الأمن القومي مع كامل الفريق الأمني السوري الذي كان يطلق عليه خلية الأزمة لمواجهة الثورة باستثناء غزالي نفسه في عام 2011 الذي غاب عن الاجتماع رغم دعوته له وهنا أسئلة كثيرة.
كنت قد كتبت قبل شهر تقريبا في هذه الزاوية وتحت عنوان «ما جريمة رستم غزالي وما هو مصيره؟»، في ذاك الوقت كان غزالي في مستشفي الشامي القريب من القصر الجمهوري، وروايات نواب ومسؤولين لبنانيين ومنهم ميشال عون كانت تتحدث عن انه كان يتلقى العلاج من آثار جراح من شظايا، فيما شاعت أنباء أخرى عن انه تلقي ضربا مبرحا من مرافقي زميله اللواء رفيق شحادة قائد الأمن العسكري اثر خلاف بينهما، وقتها ابلغني صديق في المعارضة السورية أن غزالي بدأ يموت وان النظام حقنه بإبرة «الموت بالسم البطيء»، ولكني ارتأيت التمهل في الإشارة للمعلومة واستعضت عنها بالسؤال عن مصيره هل مازال حيا أم ميتا؟
والآن مات غزالي وليس مهما بالسم أو بغيره، فالمهم انه مات غيلة، بمعنى أن الأخوين الأسد تخلصا منه، والسؤال لماذا وبعد كل تلك الخدمات التاريخية القذرة التي قدمها لهما؟
روايات عديدة تتحدث اغتياله ورميه في مزبلة «رجال النظام» مثل محمود الزعبي هذا الرجل الذي سجل أطول فترة رئاسة لحكومة في تاريخ سوريا من عام 1987 حتى عام 2000، والذي قيل انه انتحر «بثلاث رصاصات» حسب إعلام حافظ الأسد وقتذاك وتحولت لنكتة شعبية، وقتها اتُهم الزعبي بالفساد ولكن في الحقيقة كان قد ابدى تحفظه على مبدأ التوريث وطريقته المضحكة، وبعده كان انتحار غازي كنعان في مكتبه بوزارة الداخلية، والحقيقة انه فوجئ باغتيال صديقه رفيق الحريري وجاهر بالاعتراض، فمات منتحرا، أما جامع فالروايات تتحدث عن انه كان ينوى الهروب إلى الخارج على غرار عبد الحليم خدام، فمات بهدوء، واليوم يموت غزالي لأنه لربما اعترض على الدور الإيراني أو لأنه هو قاتل الحريري ومحكمة لاهاي اقتربت من استدعائه؟
في كل الأحوال هذه هي الأنظمة الديكتاتورية، فهي كالسرطان يأكل نفسه بنفسه، ولن استغرب أن اقترب الصراع إلى مرحلة حاسمة بين بشار وماهر، وهنا لا اعلم بالتحديد على من يراهن قاسم سليماني الرئيس الخفي لسوريا اليوم، هل سيكون مع الرئيس «الضعيف» أم مع ماهر الشرس؟