ونحن نعيش أجواء معركة الكرامة المجيدة، يجدر التذكير بفقدان النسخة الأصلية لأهم «وثيقة استسلام» قدمها العدو الصهيوني للجيش العربي في معركة القدس عام 1948، بل هي الوحيدة على امتداد الصراع العربي الصهيوني، فغالبا كان العدو هو المنتصر ويستمتع بإذلال للعرب،والاستثناءات قليلة، كما حدث بهزيمة العدو في الكرامة 1968 وتوقيعه وثيقة استسلام في معركة القدس، وفي محطات عربية أخرى عديدة، كما في تحرير جنوب لبنان 2000 وحرب تموز 2006، وفي الحرب الأخيرة على غزة حيث كسرت مقاومة القطاع غطرسة العدو!
لكن وثيقة الاستسلام الموقعة واحدة فقط، وهي الأهم من بين مليوني وثيقة موجودة في المكتبة الوطنية، كما قال مديرها العام مؤخرا في مقابلة مع صحيفة عربية، لكن الموجود في الواقع صورة عن الوثيقة، يمكن لأي متصفح للانترنت مطالعتها، أما النسخة الأصلية فهي موجودة في بلد عربي، كما يؤكد نجل قائد معركة القدس الراحل عبد الله التل «الكابتن صلاح»، المشغول دائما في الحديث عنها، وضرورة العمل على استعادتها، باعتبارها وثيقة وطنية تاريخية.
وللتذكير فقد وقع الوثيقة عن الجانب الأردني الجنرال عبد الله التل، وعن الجانب الاسرائيلي قائد عصابة الهاجاناة في القدس القديمة موشيه روزنك،وجاءت بناء على طلب يهود القدس القديمة، وأهم ما تنص عليه « إلقاء اليهود السلاح وتسليمه للفريق الاول - الجيش العربي» وأخذ جميع المحاربين اليهود من الرجال أسرى حرب، ويحتل الجيش العربي الأحياء اليهودية في القدس القديمة، والسماح للشيوخ من الرجال والنساء والأطفال ومن كانت جراحهم خطيرة، بالخروج الى تلك الأحياء بواسطة الصليب الأحمر.
الوثائق جزء من تاريخ الدول والشعوب وذاكرتها الوطنية،وتؤرخ لنشوء وتطور الدول وانجازاتها الثقافية والعسكرية والسياسية والادارية، سواء كانت وثائق مكتوبة، أو صورا، أو اتفاقيات، أو أعمالا فنية مثل القطع الاثرية واللوحات التشكيلية لفنانين مشهورين، التي تباع بالملايين وبعضها لا يقدر بثمن، بل أن بعض «الرسائل» ترتقي الى مستوى الوثائق الوطنية، وقبل عشرة أيام بيعت بـ «60» ألف دولار النسخة الأصلية لرسالة مواساة، بعث بها الرئيس الأميركي الأسبق جونسون في 5 نيسان عام 1968 الى «كوريتا سكوت كينغ» أرملة الزعيم الحقوقي مارتن لوثر كينغ، بعد اغتياله بيوم واحد على يد متطرف أبيض، وهو ما أثار اضطرابات في عديد المدن الأميركية،وقيمة الرسالة انها موجهة من رئيس أميركي الى أرملة زعيم حقوقي ملون، قاد حملة لمناهضة التمييز العنصري، وربما يكون وصول أوباما الى البيت الأبيض من نتائج تلك الحملة.
ومن بين» الوثائق التاريخية للولايات المتحدة، وثيقة استسلام اليابان عام 1945 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، على ظهر البارجة الامريكية «ميسوري»، كما وقع الألمان وثيقة استسلام قبل ذلك في برلين، وقد حرص الجانب الأميركي على إذلال اليابان بتوقيع تلك الوثيقة، بإجبار الامبراطور نفسه على التوقيع، ثم قام وزيرالخارجية الياباني، بتسليمها الى الجنرال الاميركي ماك آرثر، الذي حكم اليابان لفترة، كما حكم «بريمر» العراق بعد غزوه عام 2003، وللمفارقة أننا ونحن نحيي انتصار معركة الكرامة، تصادف ذكرى الغزو الاميركي للعراق في 21 آذار 2003، الذي نشهد نتائجه الكارثة اليوم !
«وثيقة استسلام» اليهود للجيش العربي، أهم من الناحية الأخلاقية من وثيقة استسلام اليابان،فوثيقتنا حافظت على الجانب الانساني، وهي نتيجة دفاع مشروع ومشرف عن القدس والمقدسات، في مواجهة غزو صهيوني استيطاني لأرض عربية،بينما وثيقة استسلام اليابان قصد منها الإمعان، في إذلال عدو اعترف بهزيمته ودمر بقنابل نووية تستخدم لأول مرة !
لفتني أن لجنة التوجيه الوطني النيابية اهتمت مؤخرا، خلال مناقشتها مشروع قانون الوثائق الوطنية، بكيفية استرجاع الوثائق المسروقة أو المفقودة، وتحفيز الاشخاص والجهات على إبراز الوثائق التي يمتلكونها، وهنا « بيت القصيد»، وهو كيفية استرجاع «وثيقة استسلام» اليهود الأصلية الوحيدة، وكما أشرت فإن الكابتن «صلاح التل» يمتلك مفاتيح توصل الى مكان تلك الوثيقة، وهو متحمس جدا ويحتاج الى دعم الجهات المعنية في الدولة لاسترجاع الوثيقة، وهذه دعوة لمن يهمه الأمر للمتابعة.