تجري يوم غد الثلاثاء انتخابات الكنيست العشرين في إسرائيل في ظل حالة من التنافس الشديد الذي يؤشر على إمكانية كبيرة لإحداث تغيير في خارطة التحالفات السياسية في إسرائيل، ويعكس أيضا حاجة الشارع الإسرائيلي للتغيير بعد فترة رئاسة طويلة ومتواصلة لنتنياهو استمرت ست سنوات عبر حكومتين متعاقبتين ابتدأت في 31 مارس 2009 وستنتهي مع بدء الاقتراع الانتخابي للكنيست يوم غد الثلاثاء.
نتنياهو لا يخفي طموحه في العودة رئيسا للوزراء للمرة الرابعة ليدخل التاريخ، وطموحه هذا جعله يقرر إجراء انتخابات مبكرة لاعتقاده أن الظرف السياسي ملائم له ولحزبه بالفوز، ولكن استطلاعات الرأي تتحدث عكس «هواه»، فآخر استطلاع للرأي أجرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوم الجمعة الماضية بواسطة معهد «مدغام»، أنه في حال إجراء الانتخابات العامة الآن ستتفوّق القائمة المشتركة بين حزب العمل برئاسة عضو الكنيست يتسحاق هيرتسوغ وحزب «الحركة» برئاسة تسيبي ليفني «المسمى المعسكر الصهيوني» على الليكود بـ4 مقاعد ويحصل على 26 مقعداً في الكنيست الجديد، فيما سيحصل حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو على 22 مقعداً.
ووفقاً للاستطلاع ستحصل القائمة المشتركة اي الاحزاب العربية على 13 مقعداً، وسيحصل حزب «يوجد مستقبل» برئاسة يائير لبيد وحزب «البيت اليهودي» برئاسة وزير الاقتصاد نفتالي بينت على 12 مقعداً لكل منهما، وحزب شاس على 7 مقاعد، وحزب الوزير السابق موشيه كحلون «كلنا» على 8 مقاعد، وحزب يهدوت هتوراة على 6 مقاعد، وحزب ميرتس وحزب «إسرائيل بيتنا» برئاسة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان على 5 مقاعد لكل منهما، وحزب «ياحد» برئاسة عضو الكنيست إيلي يشاي على 4 مقاعد.
في تفسير تراجع حظوظ الليكود ونتنياهو وفقا لاستطلاعات الرأي، نعود لأفعال الرجل خلال الست سنوات من حكمه، وهي ما يلي :
أولا: انهى فعليا عملية السلام وأوصلها بسبب سياساته الاستيطانية وتعنته التفاوضي إلى مرحلة الموت السريري.
ثانيا: خاض نتنياهو حربين ضد حماس والفصائل الفلسطينية المقاتلة في غزة عام 2012 وعام 2014 ومن الناحية العملية لم ينه حماس وفشل في القضاء عليها وتعرض الجيش الإسرائيلي لإخفاقات عسكرية واضحة تدلل على تراجع حرفيته ومهنيته.
ثالثا: احدث نتنياهو شرخا غير مسبوق في علاقات إسرائيل بأوروبا وهي العلاقة التي تعاني حاليا من التضاد وانعدام الثقة.
رابعا: احدث شرخا غير مسبوق أيضا مع الإدارة الأميركية وبخاصة مع الحزب الديمقراطي الذي عرف تاريخيا بدعم إسرائيل.
خامسا: أدت سياساته الاقتصادية إلى تضخم ميزانية الأمن، وارتفاع أسعار المساكن ارتفاعاً حاداً بسبب تجاهله ضائقة «المواطنين» وكبح أي إصلاح للاقتصاد. بالإضافة إلى نظرته إلى «المواطنين العرب» كمصدر إزعاج، وعمل من اجل إصدار تشريعات معادية للديمقراطية ضدهم، وأساء معاملة طالبي اللجوء من أفريقيا. «حسب هآرتس بتاريخ 13 من مارس الجاري».
مما سبق يتضح سبب تراجع شعبية الليكود بزعامة نتنياهو، وان أثبتت استطلاعات الرأي دقتها التي تتحدث عن المفاجأة الكبرى المتمثلة بعدد المقاعد المحتملة للقائمة العربية المشتركة والتي هي 13 مقعدا، فمعنى ذلك أن القائمة العربية ستكون الكتلة الثلاثة في الكنيست، وستكون بيضة القبان التي ستحدد إلى حد كبير من هو رئيس وزراء إسرائيل القادم، وهذا بحد ذاته يعد انجازا سياسيا لا يستهان به علي صعيد «الدور الفعلي» لعرب إسرائيل وإمكانياتهم في التأثير علي صناعة القرار فيها.
غياب نتنياهو بالنسبة للجمهور الإسرائيلي بات مدفوعا بالأسباب التي أشرت إليها، أما بالنسبة للفلسطينيين والعرب فغيابه يعد مكسبا بكل المقاييس، ومجيء رئيس للوزراء من حزب «البيت الصهيوني» سواء يتسحاق هرتزوغ أو تسيبي ليفني الذي أعلن كحزب استعداده للسلام مع العرب علي أساس المبادرة العربية عام 2002 ووقف الاستيطان والعودة لمفاوضات جادة سيكون بالضرورة أفضل من استمرار يميني متطرف في الحكم فترة أطول.
أما إن لم يهزم فعلينا إعادة دراسة الواقع الإسرائيلي بصورة مغايرة للمقاييس المعتمدة، وعلينا الاعتراف بأننا مازلنا نجهل هذا المجتمع ودولته !