
ادري من اين جاءت مقولة( كرامة الانسان في شنبه ) فالعربي من اجدادنا او آبائنا او حتى بعضنا قد تمرس في دهن شواربه بالفازلين و ( المقويات ) كيما يقف عليه الصقر كما كان يقال .. وكان الدائن يطلب من المدين شعرة من شنبه كيما يسدد الدين ويستعيد شعرة شنبه العتيد .. فان اخلف في السداد جهد على ان يبيع حتى ((اطفاله ) لكي يحافظ على شعرة شاربه .. وكان اطفاله وعشيرته وزوجته واقاربه لا يساوون شيئا الى جانب تلك الشعره .. فهو مستعد ان يوافق على موتهم جميعا ولا يوافق على ضياع تلك الشعره .
وكانت نساء الزمن القديم لا يتزوجن من هو حليق الشارب .. على اعتبار ان الشارب ( زينة الرجال ) وكن يقبلن على الزواج من حليق اللحية مع ان العكس هو الصحيح .. وحجتهن في ذلك ان الشارب (يخرمش ) والمرأة عادة تحب الخرمشه .. ليس ذلك فحسب .. بل ان المرأة تحب الرجل ان يكون اصلع شعر الرأس كثيف شعر البدن طويل المناخر عريض الاذنين قبيح المنظر كبير القدمين اللتين تنفثان رائحة عطنة في ليالي الصيف المقمره .. وحجتهن في ذلك ان الرجولة تنبع من بين ثنايا جسده .. يستثنى من ذلك نساء الزمن الحاضر اللواتي لا يعجبهن سوى الشاب ( المايص ) طويل الشعر خنفسه متناسق الاعضاء رفيع الخصر قده مياس ( يا عمري ) وقد اضيف الى تلك المواصفات حلق جميل الشكل ينسرب من اذنه اليمنى الى ياقة قميصه .
وقد تباهى العربي بشنبه على مر العصور .. ولذا فانك تنظر الى صور ( العظماء ) من رجال العرب سواء ممن يقبعون على رأس القبيلة او حتى من رجالاتها التافهين فتجد ان اطراف شواربهم مبرومة بشكل ( فني مبتكر) ينتهي الطرف به كالابرة التي تخز من يحاول الاعتداء على شنب ذلك الرجل .. فان تصفحت كتب التاريخ القديم الحديث وجدت ان قادة ( القوات ) في الجيوش العربية يتمتعون بشنب معقوف يأخذ الوجه بكامله عند التقاط الصورة التذكاريه .
وقد قيل فيما مضى ان الشنب يخفي قبح الرجل .. بمعنى ان الرجل الدميم الوجه كان يربي شنبه ويستطيله الى درجة يغطي وجهه .. وبذا فان الناظر الى وجه الرجل ينظر الى شنبه فقط .. ولا ينظر الى ما تحت الشنب من قبح فينجو صاحبه من نظرات الهزء على خلق الله .
ومع تغير الزمان اصبح الشنب صورة في المتاحف .. ولم يزل بعضنا يحلف بشنبه حتى اليوم .. ولكنه يتلقى نظرات الهزء والسخرية لان الشنب لم يعد له ( قيمه ) في هذه الايام .. فقد اصبح عنوان ( التخلف ) والرجعيه .. تماما مثلما هو ( العقال ) العربي .. فقد كان العقال صورة زاهية للانسان الكريم الاريحي المفضال .. فغدا ( حبلا ) يربط به البدوي بعيره في مجاهل الصحراء .. ومستعد ان يتخلى عن ( غطرته) التي ترافق العقال دوما لكي تصبح راية بيضاء يرفعها في وجه الجيوش الغازية علامة على استسلامه وانتقاله من خطوط الدفاع الاولى الى خطوط الدفاع الثانية .
ويعزو البعض تراجع الشنب في هذه الايام الى غزو الحضارة الغربية لمدننا وقرانا وتطور سبل الاتصال الحديث .. كيف ؟ سوف اقول لكم .
فالوطن العربي تنتشر فيه مطاعم الوجبات السريعة التي استوردناها من الغرب .. واختفت معالم الموسيقى العربية وحل محلها الروك والراب .. وذهبت وجبات الطعام العربي في المطابخ العربية الى غير رجعه واستبدلت بالمعلبات السريعه ومع اختفاء الدشداشة فقد ظهر ( البنطلون) المحزق الذي ييبرز جسد المرأة كالمرآة .. واختفى الصابون ( النابلسي ) العتيق لكي يحل محله ( الشامبو) الذي يعطيك رغوة مكثفه .. وذهب الخبز القمحي الى غير رجعة وحل محله ( الفينو ) الذي كنا في زمان مضى نستخدمة شطيرة نأكله هنيئا .. واصبح الطعام الصيني والبتزا احدى الوجبات الرئيسة في طعامنا .. اكثر من ذلك .. غدا العالم ( قرية ) صغيرة يصل اول الدنيا باخرها في لحظة خاطفه .
لكل تلك الاسباب واكثر منها .. تراجع الشنب تراجعا ليس يسيرا .. وغدت رجولة ( الرجال ) تقاس بعدد الصحون التي ينظفها في مطبخ زوجته .. وبعدد حافظات ( البامبرز) التي يغيرها لاطفاله .. وبكميات ( الايس كريم ) التي يشتريها لاطفاله لتجنيبهم حر الصيف القائظ .. وباكداس الاحذية التي يشتريها لزوجته .. او الهدايا التي ينفحها بها في اعياد ميلادها او عيد زواجها او عيد ( جلوسها ) على عرش رقبته . أكثر من ذلك اصبح الشنب يقاس بعدد ( الجيمز) والالعاب التي يشتريها الرجل لاطفاله ويدفع دم قلبه لكي يتحول الطفل من هادىء خلوق الى شيطان يفكر اول ما يفكر به ( بالسلاح ) الفتاك الذي يقتل به البطل عباد الله .
ولقد حدثني احد الثقات كيف ان الشنب قد نزلت قيمته الى الحضيض .. يقول القائل : ذهبت الى القدس للصلاة وكانت زوجتي تسير خلفي .. وكانت القدس محتلة حديثا .. ويجب ان تمر على حاجز عسكري لكي تذهب اليها .. واثناء مروري ناداني عسكري اسرائيلي لكي يقول لي : استدر .. فاستدرت .. ولكنه ( لعنه الله) ناولني اصبعه الوسطى ولامس مؤخرتي ضاحكا وقال بعربية فصيحه .. ما الذي يجعلك تبرم شنبك وكأنك امتلكت الدنيا .. القدس واخذناها .. وهزمناكم شر هزيمه .. ابعد كل ذلك تريد ان تحافظ على شنبك غير حليق .. يا ولد هات ماكنة الحلاقه .. ثم حلقه عن آخره .. فعل ذلك دون ان تتدخل الفضائيات العربية التي تقول بان اي اعتداء على المواطن العربي هو اعتداء علينا جميعا .. ومرت الحالة دون تعليق ..
ويبدو وعلم ذلك عند الله .. ان وجود الشنب في هذه الايام مثل قلته .. فرغم وجود الشنب العربي مبروما فقد احتلت اسرائيل اراضينا .. وازهقت ارواحنا .. وتحول الربيع العربي الى خريف متخلف .. ولكن شعرة واحدة من شنبات حكام العرب لم تتحرك لا يمينا ولا يسارا .. مما يجيز لنا ان نقول لهم : احلقوها وريحونا .