ينتهي المخاض فيما يرويه ابن المقفع في الكتاب المسند إليه تعريبا "كليلة ودمنة "بأن النسور أبقى الطيور عمرا ،وأعلاها تحليقا ،وقديما قالت العرب :للمرء نصيب من أسمه ،تنسحب هاتين الصفتين حصرا لصاحب الولاية العامة الموقوتة للمبنى المنسوج أركانه على الدوار الرابع ،مع إجراء بعضا من التحوير الطفيف لذات الخاصيتين :احدهما الاستطالة العمرية لتوزيره ،وثانيهما الإنسعار تحليقا للاقتصاد الأردني الذي يرمي فيه لتقطيب الميزانية المثقوبة وللخزينة المنهوبة
. لم يعد الحديث في قضايا الفساد من الموبقات ،ولا الصمت عنها من المستحسنات ،بل أضحت حديث المّارة والجالسين ،والثائرين والصامتين ،واليافعين والكاهلين ،وما ذلك إلا دليلا فاضحا على كثرتها وتواترها ،وكأنها مشاريع إستراتيجية معدةٌ بطريقة منهجية مخطوطة عبر أجندات حكومية ،غايتها تنميط المجتمع وفق رؤى وأفكار تركعية ظلامية .
شَرعَ رئيس الوزراء بُعَيد تنصيبه بخطابات الديموغوجيا ،ليستأثر قلوب الشعب ،مخاطبا بالوضع الحرج للدينار الأردني ، مبيحا لنفسه مكافحة سقوطه ،فتوسم الشعب خيرا بهذه الخطابات ظناً منهم أنه سيقصد دروب الفاسدين المعتدين على المال العام ،بقطع وتمزيق أوصالهم ،وإذ به يُعبّدها وأحياناً يُجَمّلها ،ويعمد إلى الكادحين والعمال والموظفين وصغار التجار من آليات تفقير ممنهجة ،أمسَّ بها قوت موائدهم وأنوار منازلهم ولباس أبدانهم ووقود مدافائهم ومراكبهم وأساسيات وكماليات لا حصر لها ،أنصاع بها لقروض الصندوق النقد الدولي ،كان من شأن هذه الإجراءات التعسفية احتدام الصراع الطبقي ،مما زاد الفجوة بين أبناء المجتمع الواحد ،فكثرت السرقات الشعبية والاستدلال على ذلك بانتشار سرقة السيارات والمحلات التجارية .
ولصفقات التخسير التي ينتهجها النسور شأنا آخر ،كقضية بيع أسهم الضمان الاجتماعي لشركة (المسابلة) القطرية الاستثمارية ،والتي يدور حولها الشكوك عن تدبير دبر بليل وكيف استدركوا متأخرين فداحة ما رعبنوا عليه،رغم القضية المرفوعة ضدهم في محاكم سويسرا لإخلالهم بإتمام عقود الصفقة الخاسرة ،والذي يرغم المنسحب بمبلغ (93 )مليون دولار ،و همجية ائتماره لمعالي السيدة مها الخطيب رئيس مجلس مفوضي هيئة المناطق التنموية الحرة وطلبه لمعاليها ببيع أراض تابعة للبحر الميت للمستثمر البرلماني محمد السعودي بثمن بخس ،فرفضت ما أومى لها النسور طلبا وقدمت استقالتها لأنه كان فيهن من الزاهدين ،فاستشاط غضبا وأوصف حكمتها وحبها للوطن بمسؤولي الأيدي المرتجفة .
والتعامل الفئوي لأراض الواجهات العشائرية التي أضحت مخاض جدل شعبي،وكأنه يرأس حزباً اشتراكيا في محافظات دونما غيرها ، ويقصد مرةً أخرى طبقة العمال والموظفين عندما يبيح لمجلس وزرائه التشريع العقابي الجديد لموظفي الخدمة المدنية ،قانون أشبه بالكرباج ليصلي به رقاب الموظفين ،ولن أعرّج كثيرا عن ثورات البوليتاريا التي قضت على مضاجع دول أصطلح عليها بالعظمى . ولنستعطف إقليميا للحكومة الأردنية ودورانها في فلك التطبيع المفضوح مع الكيان الصهيوني باستيراد الفواكه والخضروات التي غزت أسواقنا ،وكم أشعر بالخجل عندما حذّره رئيس وزراء العراق نوري المالكي أبان توقيع اتفاقية التبادل التجاري بين الأردن والعراق،بأياكم أن تبعثوا لنا منتجات إسرائيلية بلهجة تهجم واستنكار، وهو أكثر الناس أستعداءا لشعبه ،وتأييده للانقلاب العسكري في مصر الذي تشجبه الدول المتحضرة والمتأخرة وحتى غابات السافانا في أفريقيا.
لن أذيع سراً عندما أقول أن مواقف الأردن إقليميا تتشكل وتتكون عبر الغرف المغلقة ،ولا يعدو النسور أكثر من منفذا لها لا مُشرّعا ،والشيء بالشيء يذكر تعريجا على الدور الداخلي لطاقم حكومته التي حادت عن دروب الفاسدين وسلكت عوضاً عنها آليات التفقير الشعبي والتخسير المؤسسي والتبخيس لمقدرات الوطن والتطبيع المفضوح وغيرها من القضايا المحلية والإقليمية التي تصب كلها في قالب واحد هدفه ترطيب وتهيئة البيئة الأردنية لتكون حاضنة لمشروع ما؟؟؟ يكون خيار الشعب فيه بمثابة شر لا بد منه.
الرهان الوحيد الذي يراوغ فيه النسور محليا ديمغرافية الأردن ،وهو ذاته النسيج المجتمعي الذي حمى الأردن عبر سنون خلت ،وشكلت هويته وصهرته في بوتقة واحدة مُشكلّةً مجتمعا متراصا مترابطا لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه ،ولحين أماطة اللثام عن الهدف الاستراتيجي لهذه السياسيات التعسفية ،سيعلم ويعي أنها إجراءات صبيانية محض هراء.