تعريب الجيش والانخراط بالعمل السياسي عندما استحضر جلالة المغفور له الملك حسين رحمه الله، بذاكرته قرار تعريب الجيش، في رده على سؤال الصحفي الفرنسي الذي نشر كتاب مهنتي كملك، تحدث عن الجندية، حيث قال: (لقد كانت تقاليد وتاريخ الشعب الأردني تمنح دوما الجندي المقاتل نظاما تفضيليا، وقد كان الانخراط في سلك الجندية عندنا من قديم الزمان، مدعاة للسعادة، كان لرجالي دوما إحساس رفيع بالكرامة والعزة، ولم يستطع جندي في العالم العربي أن يطاول جنود جيشي كبرياء وأنفة.
ثم ذهب يستعرض بدايات قدوم كلوب باشا (أبو حنيك) للمشرق العربي، وبدايته مذ كان شابا في العراق، ثم انتقاله للأردن، وبين أن الخلاف الذي كان قائما بينه وبين كلوب باشا يقوم على التنافر الكبير بين التطلعات المستقبلية للملك، وتقديره للظروف الاقتصادية، والإمكانيات العسكرية، والبشرية، التي تقيد القرار الأردني
وإصرار الملك على التمسك بحق الرد الفوري على الهجمات الإسرائيلية المتكررة على المناطق القروية المجاورة لخط التقسيم، وعدم تورع القوات الإسرائيلية من تدمير القرى على رؤوس ساكنيها، وبين المخاوف والمحاذير التي يقلق بشأنها كلوب باشا، ولا يتوانى من إبدائها للملك، ففكرة تراجع الجيش العربي إلى الضفة الشرقية في حال قيام هجوم إسرائيلي كانت ديدنه، كلما أراد الملك القيام برسم معالم خطه دفاعية، أو افتراض حلول إستراتيجية للتصدي للهجمات الإسرائيلية؛الأمر الذي دعا الملك الراحل بالتفكير جديا لإنهاء خدمات وسيطرة الضباط البريطانيين على الجيش العربي ففي يوم الخميس الأول من آذار عام 1956، اتخذ جلالة المغفور له الملك الحسين قرار تعريب قيادة الجيش، وإعفاء الجنرال كلوب من منصبه، بالإضافة إلى بقية القيادات الانجليزية في الجيش العربي، وتوجه للشعب الأردني بخطاب موجز نصه " أيها الضباط والجنود البواسل ...
أحيكم أينما كنتم، وحيثما وجدتم، ضباطاً وحرساً وجنوداً وبعد: فقد رأينا نفعاً لجيشنا وخدمة لبلدنا ووطننا، أن نجري بعضاً من الإجراءات الضرورية في مناصب الجيش، فنفذناها متكلين على الله العلي القدير، ومتوخين مصلحة امتنا وإعلاء كلمتها، وإنني آمل منكم – كما هو عهدي بكم – النظام والطاعة، وأنت أيها الشعب الوفي
هنيئاً لك جيشك المظفر الذي وهب نفسه في سبيل الوطن، ونذر روحه لدفع العاديات عنك، مستمداً من تاريخنا روح التضحية والفداء، ومترسماً نهج الأُلى، في جعل كلمة الله هي العليا، إن ينصركم الله فلا غالب لكم" ويصف مشهور حديثة الجازي، والذي كان احد ضباط الجيش العربي آنذاك، قرار التعريب بقوله: (وقد كان التعريب بمثابة انبعاث جديد لمسيرة القوات المسلحة، كما كان شرارة الأمل التي تفجرت في نفوس الضباط الشبان الذين كانوا يتوقون لتحمل المسؤولية، في ظل قيادة عربية، ومنطلقة من سياسة عربية تعمل لصالح الوطن والمصلحة العليا لامتنا).
واليوم نجد أن الجيش العربي استطاع أن يثبت كفاءته في الدفاع والتصدي عن حمى الأردن، واستطاع أيضا أن يبني سمعة طيبة في كل أنحاء العالم، من خلال المشاركات المتكررة للجيش العربي في قوات حفظ السلام الدولية. وأما على الصعيد السياسي المحلي، فبالرغم من أن مرتبات القوات المسلحة ابعد ما تكون عن السياسة أثناء سنوات الخدمة العسكرية، إلا ان الإسهامات التي قدمها الضباط المتقاعدون من الخدمة العسكرية، للوطن في المجال السياسي، تعد خدمات توعوية على جانب كبير من الأهمية، فتيار 36 مثلا والذي يضم بين صفوفه وفي مراكزه القيادية نخبة من كبار الضباط المتقاعدين من الخدمة العسكرية
فقد عزز هذا التيار روح النقد السياسي لدى أفراد المجتمع الأردني، كما إن وجود احد كبار الضباط على رأس الهرم السياسي لحزب التيار الوطني ساعد في إشعال حماسة المتقاعدين العسكريين للمشاركة السياسية، رغم المعارضة لإنشاء حزب خاص يضم فقط المتقاعدين العسكريين، ثم إن ما تم تداوله مؤخرا، من اجتماع ضم عدد من كبار المتقاعدين العسكريين برعاية الفريق المتقاعد عبدالهادي المجالي في منزله، لتدارس الشأن المحلي الأردني، والأبعاد السياسية التي تمر بها المنطقة العربية
وردود الأفعال على الخطاب الملكي بخصوص دحض فكرة الوطن البديل، وما يتعلق بالاقتصاد الوطني من عثرات، آن الأوان لإيجاد حلول سريعة واستراتيجيه فاعلة للتصدي لها، يدل على تولد فكر جديد، يدفع باتجاه مشاركة قوية للضباط المتقاعدين في الحياة السياسية، مع إمكانية اكتساب دعم شعبي قوي لاتجاهاتهم الفكرية السياسية والاقتصادية، فرمي المتقاعدين بتهمة الولاء لغير الأردن، تهمة لا يمكن إلصاقها بهم، بتلك السهولة التي يمكن إلصاقها بالأحزاب السياسية الأخرى، والتي تمارس نشاطها على الساحة الأردنية.