آخر الأخبار
  الدفاع المدني يخمد حريق قصيب واعشاب جافة امتد إلى ساحة خارجية لأحد مصانع البلاستيك بمحافظة البلقاء   تفاصيل حالة الطقس في المملكة حتى الجمعة   مصدر حكومي: الأردن أكبر من الرد على بيانات فصائل فلسطينية   تحذير امني بخصوص حالة الطقس في المملكة   ترامب يكشف عما دار بينه وبين نتنياهو خلال مكالمته الأخيرة   الحكومة توافق على صندوق لتنمية وتطوير القطاع السياحي   الملك لوفد فرنسي: أهمية توسيع التعاون وحشد الدعم لخطة إعادة إعمار غزة   هذا ما ستشهده حالة الطقس في المملكة غداً الاربعاء .. وتحذير هام للمواطنين   هل تنوي الحكومة الاردنية رفع الضرائب على الأردنيين؟ رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان يجيب ..   هل هناك توجه لإغلاق مخيمي الزعتري والأزرق؟ مفوضية اللاجئين تجيب ..   قرار صادر عن "حزب جبهة العمل الإسلامي" بشأن ثلاثة أشخاص وردت أسماؤهم في لائحة اتهام قضية "تصنيع الاسلحة"   تنشيط السياحة تختتم جولات ميدانية تفقدية في المعابر الحدودية البرية   البنك الأردني الكويتي يرتقي إلى الرعاية البلاتينية لمركز التكنولوجيا المالية - جوين لتعزيز الابتكار في قطاع التكنولوجيا المالية في الأردن   ذروة المنخفض الخماسيني الأربعاء .. و"الأرصاد" تحذر مرضى الجهاز التنفسي   الصفدي يستقبل وفدا من الكونغرس الأمريكي   عودة 55 ألف لاجئ سوري من الأردن منذ كانون الاول   لجنة نيابية تعلن انهاء قضية موظفي التربية المنتدبين إلى الضريبة   الحكومة تعلن قرارات مجلس الوزراء   الأردن يتسلّم رئاسة مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين   الجيش يفتح باب التجنيد للذكور والإناث

د. أجمل الطويقات يكتب: (المُعلِّمُ .. مِنَ الطَّباشيرِ إلى بِنَاءِ المَصيرِ).

{clean_title}
جراءة نيوز -

تَشَرَّفْتُ بالعملِ زمنًا ليسَ بالقصيرِ مُعلِّمًا للمرحلةِ الثانويَّةِ، في مدارسِ وزارةِ التربيةِ والتعليمِ. يومَها، لمْ أُدرِكْ تمامًا قيمةَ ما كنتُ أحمِلُهُ، ولمْ أعرِفْ أنَّني كنتُ أبنِي على مَهْلٍ ما سيُصبِحُ لاحقًا أحدَ أركانِ وعيي ووجودي. فَقيمُ الصِّدقِ في العَملِ، والأمانةِ في التعامُلِ، وثِقلُ المسؤوليةِ، لمْ تكُنْ مفاهيمَ أُفكِّرُ بِها كثيرًا، لأنَّها كانتْ ببساطةٍ منَ المُسلَّماتِ. وكذلكَ حُبُّ الوطنِ والانتماءُ إليهِ، والحنينُ العميقُ إلى فلسطينَ، لمْ تَكُنْ مواضيعُ يُسلَّطُ عليها الضوْءُ، لأنَّها منَ البَدَهِيّاتِ الراسخةِ في القلبِ قبلَ العقلِ. لمْ تَغبْ عنْ ذاكرتي أبدًا خارطةُ الوطنِ العربيِّ، كما رسمناها صغارًا ونحنُ نُنشدُ معًا، بأصواتٍ دافئةٍ قصيدة الشّامي فخري البارودي: بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّامِ لبغدان ومن نجدٍ إلى يَمَنٍ إلى مِصرَ فتطوانِ… و لمْ تكُنْ هذه القصيدةُ مُجرَّدَ أبياتٍ تُردَّدُ، بلْ كانتْ عقيدةً ثقافيَّةً آمنتْ أجيالٌ بكلماتِها دونَ سؤالٍ أو مواربةٍ. لذا؛ رسمنا خارطةَ الوطنِ العربيِّ بمهارةِ طفلٍ يعرفُ شكلَ قلبهِ لا لأنَّها كانتْ مُقرَّرَةً في المنهاج ليسَ إلّا، بلْ لأنَّها كانتْ حاضرةً في الوجدانِ، محفورةً في الذاكرةِ، قبلَ أنْ تَحْويها كتبُ الجغرافيا وأطالسُ الحقائبِ المدرسيَّةِ الباليةِ. كنتُ مُعلِّمًا، ولمْ أعرِفْ يومَها كمْ كنتُ محظوظًا. واليومَ فقط، بعدَ أنْ عبَرتُ مراحلَ العُمرِ وسِنِيَّ المهنةِ، أدركتُ أنَّ ما نحمِلُهُ في أعماقِنا من معارفَ وتجاربَ، ما هوَ إلّا امتدادٌ لتلكَ اللحظاتِ التي قضيناها بينَ جدرانِ الصفوفِ، وأثيرِ الطباشيرِ. ولمْ أُعانِ قَطُّ في فَهمِ معنى الانتماءِ إلى الوطنِ أو الإخلاصِ لهُ، كما يفعَلُ كثيرونَ ممّنْ أرهقَتْهُمُ الأسئلةُ الكُبرى في جدلية المصلحة الخاصّةِ والعامّةِ، وأيُّهُما يقدِّم أوّلًا، ناهيك عن طرح المصلحة العامة ابتداءً. قدْ يرى بعضُ الناس في قولي هذا تعصُّبًا للمُعلِّمينَ، وقدْ يُثيرُ حفيظةَ منِ اختارَ مَسارًا مهنيًّا مُختلِفًا، وله الحقُّ في ذلك؛ إذ إنَّ حبَّ الوطنِ فِطرةٌ تُولَدُ معَ الإنسانِ، غيرَ أنَّ المُعلِّمَ أجدرُ منْ غيرهِ على غَرْسِها، وريِّها، وهو يشهَدُ نموَّها في عيونِ طَلَبَتِهِ، لحظةً بلحظةٍ، حتى إذا لمعتِ النظرةُ، أدركَ أنَّ رسالتَهُ قدْ بلغَتْ مرساها. حديثي هذا ليسَ اعترافًا شخصيًّا، بقدرِ ما هوَ شهادةٌ لجيلٍ كاملٍ منَ المُعلِّمينَ والمُعلِّماتِ. فالمُعلِّمُ، حينَ يتخرَّجُ، لا تنتهي رحلتُهُ المعرفيَّةُ، بلْ يبدأُ مشوارَهُ الحقيقيَّ في أرحبِ فضاءاتِ الفكرِ والتأمُّلِ. المُعلِّمُ بينَ التدريبِ والتأثيرِ تعزيزُ دورِ المُعلِّمِ، واستعادتُهُ لمكانتهِ الاجتماعيَّةِ، واستعظامُ تأثيرهِ في تنميةِ الجيلِ، وإيمانُهُ الحقيقيُّ في بناءِ الوطنِ، أشبهُ بعودةِ الروحِ لمهنةِ التعليمِ وبعثِها من جديدٍ. لقدْ حَرَصَتِ الوزارةُ -خصوصًا في العقودِ الأخيرةِ- على تمكينِ المُعلِّمينَ من الكفاياتِ والمهاراتِ اللازمةِ، ولا سِّيما المختصَّةُ منها بأساليبِ التدريسِ واستراتيجيَّاتِه، أو تلكَ المعنيَّةُ بالقيادةِ التعليميَّةِ والإدارةِ الصفيَّةِ، أو المُوجَّهةُ للقياداتِ التربويَّةِ على اختلافِ مراكِزِها. وقدْ أولَتْ الوزارةُ ذلكَ اهتمامًا واضحًا، وإنفاقًا كبيرًا. ولا شكَّ في أنَّ هذا التدريبَ بالغُ الأهميَّةِ، وهوَ -في نظرِ التربويينَ- ضَرورةٌ مُلحَّةٌ لتطويرِ العمليَّةِ التعليميَّةِ. لكنْ، ما مدى انعكاسِ هذا التدريبِ على الغرفةِ الصفيَّةِ؟ وما أثرُهُ في بناءِ مُعلِّمٍ يُسهمُ في عمليَّةِ التطويرِ المُستهدَفة؟ الحقيقةُ أنَّ التدريبَ لا يُؤتي أُكُلَهُ يَانعًا إلّا حينَ يُقابِلُهُ إيمانٌ داخليٌّ من لدن المُعلِّمِ بمفهومِ التعليمِ بوصفِهِ رسالةً مُقدَّسةً، وأمانةً ثقيلةً، لا مهنةً عابرةً أو وظيفةً تَنتظرُ التقاعد وحسب. فالمُعلِّمُ المُؤمنُ برسالتِهِ، هوَ مَن يُحوِّلُ الدوراتِ إلى طَرائقَ فاعلةً لتجديدِ الروحِ، ويترجمها وَاقعًا مَلْمُوسًا مِنَ القاعةِ التدريبيَّةِ إلى الغرفةِ الصفيَّةِ، حاملًا الفكرَ لا الورقَ، ومُدركًا أنَّهُ باني جيلٍ مؤمنٍ بوطنِهِ، مُنتمٍ إلى تُرابِهِ، يَحرصُ على رفعتِهِ، ويَحبُّ العلمَ والتعلُّمَ، لا طلبًا لشهادةٍ بلْ ارتقاءً بالوعي. حينَ يُدرِكُ المُعلِّمُ دَورَهُ، لا يَعودُ التَّعليمُ مِهنةً يُمارِسُها فَقط، بَل يَغدو هُوَ ذاتهُ رسالةً ناطقةً، وَحُضورًا لا يَغيبُ، وَأثَرًا لا يُمحى. فَالمُعلِّمُ، حينَ يَحمِلُ الطَّباشيرَ، يَسْتَحْضِرُ خُلاصَةَ القِيَمِ، َوَعيَ الأُمَّةِ، وَأحلامَ الطَّلَبةِ الذينَ يَنتظِرونَ كَلمةً تُغيِّرُ مَسارَهم، أَو نَظرةً تُضيءُ لَهم دربًا. إِنَّ الأوطانَ لا تُبنَى بِالحديدِ والإسمنتِ وحدَهما، بَلْ تُبنَى في قُلوبِ الأبناءِ، وَعَقولِ الأجيالِ. وَالمُعلِّمُ هوَ مَن يُعْلِي ذلكَ البِناءَ الصّامتَ، الَّذي لا تُدْرِكُهُ العُيونُ مُباشَرةً وَلكنَّهُ يَظهَرُ في كُلِّ موقِفٍ نَبيلٍ، ولدى كُلِّ مواطِنٍ يُؤدِّي وَاجبَهُ بِصِدقٍ، وَيَحمِلُ عَلَى عاتِقِهِ مَسؤوليَّةَ وطنِهِ كَما يَحمِلُ اسْمَهُ. لِذلكَ، أقولُها بِثِقةٍ: حينَ يُدرِكُ المُعلِّمُ دَورَهُ وَحُضورَهُ، تُدرِكُ الأُمَّةُ مَصيرَها، وَتَعي الطُّفولَةُ مَعناها، وَتَنبُتُ القُرى وَالمُدُنُ سنابل قَمْحٍ مِن جَديدٍ؛ فالمحبَّةُ الصَّادقةُ تُبنى عَلَى كواهَلِ المُعلّمينَ وكلِّ المُخْلِصينَ في وطني الأغلى والأبهى. فتحيَّةً خالصةً لزملائي المُعلِّمِين الحاضرِينَ في الغيابِ، المخلصينَ لوطنِهم الأوفياءِ لقائِده المُفَدَّى، في كُلِّ مَدرسةٍ، وفي كُلِّ ركنٍ من أركانِ الوطنِ سلامًا وأيَّما سلامٍ على أُولئكَ الذينَ يستحقُّونَ منّا التقديرَ الأوفى والمكانةَ الأسمى