آخر الأخبار
  البيت الأبيض: عمليات النصب علينا انتهت   طقس العرب للاردنيين: اشتداد إضافي على سرعة الرياح وتزايد الغبار   ضبط 7 أطنان لحوم فاسدة بـ 27 ملحمة في عمان وإغلاق اثنتين   بلدية الكرك تضبط كميات من اللحوم والمجمدات غير الصالحة للاستهلاك   البرلمان الأوروبي يوافق على مساعدات مالية جديدة للأردن بقيمة 500 مليون يورو   السير تكشف سبب الازدحام المروري ما بعد جسر الثامن باتجاه دوار الشعب   الملك ورئيس وزراء ألبانيا يبحثان هاتفيًا مستجدات المنطقة   التعمري: لاعبو المنتخب يدركون ان فريقهم عليه الوصول لكأس العالم   الملك يشارك بالقمة العالمية الثالثة للإعاقة الأربعاء   كوادر أمانة عمان الكبرى رفعت 5192 طنا من النفايات ليلة عيد الفطر   الاتحاد الآسيوي: لا تغيير لموعد أو مكان مباراة العراق والأردن   ما حكم الزواج بين العيدين؟ الإفتاء تجيب   إصابات بحادث سير مروع على نزول الكسارات في البلقاء   تراجع حجم الاستثمار الأجنبي بنسبة 18.5% في 2024   طقس العرب: اشتداد إضافي على سرعة الرياح وتزايد الغبار خلال الساعات القادمة في الأردن   توقف عمل تلفريك عجلون اليوم بسبب الظروف الجوية   أمطار رعدية وهبات رياح قوية .. تفاصيل حالة الطقس   أمطار رعدية وهبات رياح قوية .. حالة عدم استقرار جوي تؤثر على الأردن الثلاثاء   الحملة الأردنية توزع وجبات لأكثر من 60 ألف فلسطيني في غزة خلال رمضان والعيد   زلزال بقوة 7 درجات يضرب جزر تونغا .. وتحذيرات من تسونامي

غزة… صرخة الموت والدم والركام في وجه عالم ظالم أصم

{clean_title}
جراءة نيوز - 
بقلم : الكاتب صالح الشراب  العبادي

في هذا الركن الصغير من العالم، حيث تختلط الحياة بالموت، وتتلاشى الأحلام بين أزقة مدمّرة وركام المنازل، هناك شعب يتشبّث بالحياة وسط الموت المتربّص به ،  في غزة، يصرخ الحجر ولا يسمعه أحد، وتبكي الأرصفة ولا يواسيها أحد، وتئن الأرض تحت وطأة الجثث التي التحمت بالتراب كأنها لم تكن يوماً نابضة بالأمل.

هنا، حيث الأطفال يتعلمون أسماء الموت قبل أسماء الحروف والألوان، لا يعلمون لماذا دماؤهم تُسفك ولماذا بيوتهم تُقصف ولماذا يجب أن تُمزق براءتهم إلى أشلاء ،  أطفال اعتادوا سماع صوت الطائرات بدل زقزقة العصافير، وأصبحت ألعابهم حفراً في الأرض يختبئون فيها من قذيفة عمياء تبحث عن أجساد صغيرة لتقتلعها من الحياة.

في غزة، تسير النساء تائهة في طرقات مدمّرة،  توجهها مصادر الموت من كل صوب ، وهي تموت الف مرة قبل الموت ، تحمل الواحدة منهن طفلاً في يد تخشى عليه الموت من القصف ليموت فيما بعد امام عينها جوعاً وعطشاً ، وتحمل من جهة،  ذكريات بيتٍ كان آمناً في اليد الأخرى. لا يعلمن إلى أين سيقودهن الطريق، فكل وجهة باتت مجهولة، وكل زاوية قد تكون آخر ما يرين قبل أن يُفقدن في زحام الموت المتربّص بكل من يحاول النجاة ،  نساء ثكالى جلسن على ركام المنازل يبحثن عن بقايا فلذات أكبادهن بين الحجارة المتفحمة والأنقاض المتناثرة. أمّهات فقدن القدرة على البكاء، فلم تعد دموعهن كافية لغسل ما تبقى من آلامهن.

هنا، حيث الشيوخ العاجزون ينتظرون الموت بأجسادٍ واهنة تحمل ما تبقى من أرواحهم المُتعبة ،  يراقبون بأعين منكسرة مشاهد الخراب التي صارت جزءاً من ذاكرتهم المثقلة بالخيبات ،  يجلسون في صمت وكأنهم يستعدون للمغادرة الأخيرة، بعدما استنفدوا كل ما في قلوبهم من رجاء وانتظار.

في غزة، أطفال يتضورون جوعاً، يحتضنون صحوناً فارغة وزجاجات ماء مهترئة، يبحثون من خلالها عن بقايا الحياة، علّهم يجدون شيئاً يُبقي عروقهم نابضة ليواجهوا يوماً آخر من الظلم والمعاناة ، واخيراً الموت …

في غزة، هناك جثث لم تعد تعرف هويتها، تحلّلت تحت الشمس الحارقة بعدما انتظرت طويلاً من ينقذها أو حتى يسترها تحت الأرض،  جثث كانت ذات يوم تضحك، تحلم، وتعيش. لكنّها الآن صارت مجرد أرقام في تقارير باردة لا تحمل سوى كلمات جوفاء عن الموت والدمار.

الشباب والصبايا في غزة ينتظرون الموت كما ينتظرون الحياة، لا فرق بينهما ،  فقد صار الموت أكثر ألفة لهم من الحلم بفرصة جديدة ،  يقفون في صفوف الألم، ينتظرون قذيفة أو رصاصة تُنهي قصتهم ..  التي لم تبدأ أصلاً.

وفي الوقت الذي تغرق فيه غزة بالدماء والدموع، هناك رؤوس تعلو فوق الياقات البيضاء والزرقاء، تنتقل بين الفنادق الفاخرة والعواصم الهادئة، تتحدث عن وقف إطلاق النار وكأن الموت في غزة مجرّد خبر عاجل على شريط تلفزيوني ،  هؤلاء الذين يتشدقون بالسلام بينما يُتركون شعباً بأكمله في أتون النار، هم الوجه الحقيقي لعالم فقد كل ما تبقى له من إنسانية.

غزة اليوم هي وصمة عار على جبين البشرية. هي الجرح النازف الذي يُعرّي هذا العالم الظالم الذي باع ضميره وتخلّى عن مبادئه ، كيف يمكن لدول تتغنى بالعدالة والحرية أن تغمض عيونها أمام شعب يُقتل ويُذبح ويُجوّع تحت سمعها وبصرها؟ كيف يمكن لقوانين دولية تدّعي حماية الإنسان أن تعجز عن منح هذا الشعب أبسط حقوقه… حق الحياة؟

غزة ليست مجرد مدينة تحترق، وليست مجرد أرقام في نشرات الأخبار ،  غزة هي مرآة نرى فيها وجوهنا الحقيقية ،  هي اختبار أخلاقي سقط فيه الجميع ،  هي الألم الصارخ الذي سيظل يلاحق كل من تواطأ بالصمت، وكل من أعرض عن نصرتها، وكل من عجز عن إيقاف نزيفها.

في غزة، لا تُكتب نهايات سعيدة. كل شيء ينتهي بالدموع والركام والقبور المفتوحة على مصراعيها ،  شعب بأكمله يموت ببطء تحت الأنقاض، بينما يقف العالم يتفرّج كأنه يشاهد مشهداً عابراً في فيلم مأساوي لا يعنيه.

غزة… يا أنفاس تحت الركام وصمت العالم الجبان ،  يا جرحك  النازف  امام إنسانية تحتضر  .
 غزة ايها العالم الحقير الظالم ، تئن وتحترق وتموت بصمت ، فهل اصبحتِ يا غزة قصة الموت الذي لا ينتهي  ، ام قصة  الحياة  التي لن تأتي .


في النهاية، ستظل غزة تصرخ في وجه العالم الظالم، وستظل دموع أطفالها وصرخات نسائها وأحزان شيوخها لعنة تطارد كل من خذلها ،  غزة هي جرح لن يندمل، لأنها جرح الإنسانية نفسها.

غزة… هنا حيث تموت الحياة، وتبقى الأرواح المكلومة شاهدة على عار العالم إلى الأبد. 
                  
                 صالح الشرّاب العبادي