جراءة نيوز - محمد قاسم عابورة يكتب ..
بخطى واثقة ، أبطال المنتخب الأردني "النشامى" على المستطيل الأخضر، يحولون أرضيته إلى منصة وطنية عرضوا عليها مشاهد بطولة و ملحمة شعب ، وقصة إرادة وعزيمة تتحدى المستحيل ، إن الوصول إلى ذروة منافسات كأس العرب 2025 في قطر ، رغم تعثر الخطوة الأخيرة في النهائي ، في الخسارة أمام المغرب الشقيق ، لم يكن إنجازاً رياضياً فقط ، لقد كان حدثاً تجاوز أبعاد اللعبة ، ليصبح تجسيداً للقوة والأصالة الحضارية التي يمتلكها الأردن ، وفرضاً لصورته القيمية وانتصاراً لإرادته الجماعية وروحه الوطنية أمام العالم .
في هذه البطولة ، حوّل المنتخب منافسته على الكرة إلى دفاعٍ مشرف عن الهوية ، حيث ارتقى كل لاعب ليصبح رمزاً وطنياً يحمل راية البلاد ، ومتجاوزاً دور "اللاعب" ليكون جندياً مجسّداً للروح الأردنية الصلبة ، وهذه الصور والمعاني هو ما التقطته عدسات العالم حين احتفت منصات "الفيفا" العالمية بلحظات فرح اللاعبين وهدير الجماهير في المدرجات ، كتعبيٍر صادق عن ثبات الوطن وتجذر روحه في وجدان أبنائه .
ولم يكن وصول النشامى إلى هذه المرحلة المتقدمة أمراً سهلاً ، بل تحقَّق بالإنتصار على التحديات ، وتجاوز للعقبات ، فعلى الرغم من غياب عدد من نجومه الأساسيين ، حقق النشامى انجازاً بطولياً ، فالمهمة التي قادها المدرب المغربي (النشمي) جمال السلامي ، خاضها بغياب أسماء مؤثرة كـ "موسى التعمري، يزن العرب، "، علاوة على إصابة "يزن النعيمات" ، وفي ظل هذه الظروف ، وُلد الإنجاز من رحم الروح الجماعية التي لا تُقهر ، ورسمت صورة للتلاحم الوطني القادر على تحويل الأزمات إلى فرص .
ولا يكتمل المشهد البطولي دون "الرقم الصعب" ، الجمهور الأردني ، الذي تحوَّل من كتلة مشجعة إلى سفير حقيقي للروح الأردنية الأصيلة داخل المدرجات وخارجها ، فأخلاقه وسلوكه الراقي أصبحا جزءاً لا يتجزأ من رسالة الوطن ، وقد بلغت ذروة المشاركة الوطنية الحميمة عندما تحوَّل المشهد من دعم رسمي تقليدي إلى مشاركة شعبية عميقة ، تجسَّدت في حضور صاحب السمو الملكي ولي العهد بين الجماهير، ليرسل رسالة قوية بأن النصر صناعة جماعية ، ويرسخ صورة التلاحم بين القيادة والشعب في أبلغ صورها .
يأتي إنجاز كأس العرب ليكون حلقة متصلة في سلسلة إنجازات المنتخب الأردني ، التي بدأت بحسم التأهل التاريخي إلى كأس العالم 2026 ، ووصلت قبلها إلى نهائي بطولة آسيا ، هذه المسيرة المتصاعدة تؤكد أن ما تحقق ليس صدفة ، بل هو ثمرة رؤية مؤسسية وجهد متواصل ، وإيمان بقدرات الشباب الأردني الذي يفرض وجوده بقوة على خريطة الكرة العربية والآسيوية والعالمية .
لقد حوّل النشامى الحدث الرياضي إلى خطاب وطني جامع ، فكانت كل تمريرة تعبيراً عن الإرادة ، وكل ذود عن المرمى دفاعاً عن الكرامة ، وكل هدف إثباتاً للقدرة ، كما مثّل كل هتاف من الجماهير تأكيداً على الهوية ، هذه الرحلة وإن انتهت بلقب "الوصيف"، إلا أنها تبقى إنجازاً تاريخياً ، وتذكيراً بأن الروح التي تصنع المستحيل فوق المستطيل الأخضر، هي ذاتها التي تبني مستقبلاً مشرقاً خارجه ، نعم خسر النشامى الكأس ، لكنهم كسبوا احترام العالم ، وكتبوا فصلاً جديداً من فصول الفخر الأردني .
محمد قاسم عابورة