جراءة نيوز - محمد تيسير يكتب ..
ثمانية عشر عامًا هي المدة التي قضاها فتحى في مزرعة لأشجار الزيتون واللوز والكرز شمال الأردن يمتلكها أحد أبناء المنطقة، ورغم أنها مدة طويلة إلا أنها مليئة بالاستقرار والهدوء كما يقول فتحي، أختتمت تلك المدة الزمنية بعودته إلى بلده الأم بعين يملؤها الرضا والفرح بما اكتسبه.
ربما حالة فتحي (اسم مستعار) قليلة الحدوث، ومن روى لي القصة هو أحد أبناء بلده الذين يعمل حلاقًا في أحد صالونات القرية التي كانت فيها المزرعة، إذ يؤكد أن الأمر مرتبط برب العمل الذي يعمل الوافد لديه، فبعض أرباب العمل طيبون، يحفظون حقوق العامل حتى لو كان لا يمتلك تصريح عمل، ويوفرون له مسكنًا ملائمًا، ويؤمنون حاجاته الأساسية نظير عمله المتقن ورعايته العالية لممتلكات صاحب العمل.
هذا الحلاق يقدّر عاليًا تعامل صاحب العمل معه، لكنه تعامل ضمن القانون، فما يفرضه القانون يلتزم به إلا بموضوع السكن، فقد سمح له باستصلاح (السدة) الملحقة بصالون الحلاقة لتصبح غرفة نومه بشرط عدم السهر فيها من رفاقه، وأن ترتفع فاتورة الكهرباء بسبب ذلك. ذكر الحلاق هذه الأفكار في سياق مقارنته بوضع فتحي المزارع الذي أمضى ثمانية عشر عامًا في عمل واحد وعند رجل واحد.
يؤكد الحلاق أن الأمر في القرى أخف وطأة على الوافدين، إذ غالبًا ما تكون الأعمال التي تشتغل بها العمالة الوافد بعيدة نسبيًا عن الرقابة، إلا في حالات التفتيش الروتيني التي تقوم بها السلطات المختصة، أو جهات الرقابة على الصحة العامة التي تسأل عن فحوصات العاملين الطبية، لكن بالمجمل فإن بعض أصحاب العمل يخحرصون على الالتزام القانوني بما يخص العامل لأنهم غالبًا يتركون العامل أغلب الوقت وحده في مكان العمل، ويأتون لتفقده بشكل غير منتظم.
حالة فتحي والحلاق قد لا يمكن التعميم عليها إذ تعاني العمالة الوافدة من تحديات كثيرة تؤثر في عملها وظروف معيشتها، وتتراوح تلك المشكلات بين الوضع القانوني الذي يفرض على العامل استصدار تصريح عمل الذي تكون تكاليفه عالية، ويمر بإجراءات ومراحل تدفع العامل أحيانًا إلى عدم استخراجه مما يعرضه للاستغلال والتهديد بالترحيل، أو القبول بظروف عمل صعبة ومتدنية الأجور تصل في بعض الحالات إلى عدم دفع الأجور رغم ساعات العمل الطويلة التي يقوم بها العامل الوافد.
لا تتوقف معاناة العامل الوافد على هذا الأمر فالوضع القانوني المعقد يفرض نمطًا معينًا من المعيشة يكون في اماكن مكتظة لا تتوفر فيها بيئة صحية ويكون من الصعب تلبية الحاجات الأساسية في ظل التضخم وارتفاع الضرائب، وهذا الناحية يعاني منها العامل الوافد بالدرجة نفسها التي يعاني منها رب العمل، فتظهر المعاناة في عدم مقدرة رب العمل على توفر السكن الملائم وعدم استطاعة العامل الوافد على السكن في بيئة مناسبة.
ربما بات من الضروري التفكير بتيسير الأمور على العمالة الوافدة وفرض رقابة قانونية صارمة على بيئات العمل تحفظ حقوق الأطراف كلها، وزيادة حملات التوعية القانونية لمعرفة الحقوق والالتزامات المترتبة على العامل ورب العمل، وتعزيز شبكة حماية صحية واجتماعية لهم.