في وقت يقف فيه قطاع التعليم على أبواب هيكلة تفضي لإنشاء وزارة التربية والموارد البشرية، بديلا عن وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي، أكد خبراء تربويون أن دمج الوزارتين، يجب أن ينطلق من إعادة التفكير بطبيعة النظام الحالي لهما، ما يتطلب أن يتغير ليصبح دور الوزارة الناجمة عنهما.
وبينوا في أحاديث منفصلة، أن نجاح ذلك يتطلب من القائمين على الدمج، وضع خطط لإنجاح الوزارة الجديدة، بدءا بتشكيل لجان مشتركة لمراجعة تشريعات عملها وأنظمتها المركزية، ومراجعة سياساتها وخططها وآليات عملها، مؤكدين أهمية أن يكون لدى الوزارة الجديدة، سياسات وأنظمة مالية وإدارية وفنية موحدة، تنظم العمل الفني والإداري والمالي وخطط إستراتيجية لـ: التعليم العام والعالي، والمهني، والتقني.
وتعمل الحكومة ضمن خطتها لتحديث القطاع العام على إنشاء وزارة جديدة للتربية وتنمية الموارد البشرية، بدمج الوزارتين السابقيتين (التعليم والتعليم العالي)، إذ من المقرر إنجاز إنشائها بين العامين 2022-2024.
وكان وزير التعليم العالي والبحث العلمي د. عزمي محافظة قال في ملتقى التعليم العالي 2024 مؤخرا، إن قطاع التعليم يقف على أبواب إعادة هيكلة، تنفيذا لخطة التحديث التي تتضمن إنشاء وزارة جديدة تحل محل الوزارتين، ما يستدعي سنّ تشريعات جديدة بديلة لقوانين التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي والجامعات وغيرها.
مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي بوزارة التربية سابقا د. محمد أبو غزلة، قال إن الاستثمار في التربية ذو عائد كبير، لذا تجري بعض الدول عمليات دمج بين المؤسسات التعليمية لمواءمة مخرجـات التعليم العـام ومتطلبـات التعليـم العالـي وتحقيق نتائج تـربوية، واقتصادية، والميزات التنافسية واستدامتها، وضمان مخرجات منسجمة مع متطلبات سوق العمل.
وأضاف أبو غزلة، يجب أن ينطلق دمج الوزارتين من إعادة التفكير بطبيعة النظام المركزي الحالي لهما، وهذا يتطلب أن يصبح دور الوزارة الجديدة مركزيا في التشريعات ورسم السياسات والأطر العامة والإشراف والمتابعة والرقابة والمساءلة، ولا مركزيا في التنفيذ، بحيث تكون مهمة التنفيذ لسياسات الوحدات التعليمية في الميدان التربوي والتعليمي، وبالتالي تخلي مركز الوزارة عن كثير من المهام التنفيذية وتسند الميدان، وتكتفي بدورها في رسم وإقرار السياسات والإستراتيجيات.
ودعا أبو غزلة، لأن يكون التعليم المهني والتقني ضمن مظلة مؤسسية خاصة، تترجم سياسات المجلس الأعلى للتعليم حال إنشائه، موضحا أن الدمج نجح في عدة دول، بخاصة ذات الأنظمة غير المركزية في الإدارة والتعليم، ولضمان نجاح ذلك يجب على القائمين عليه وضع الخطط الكفيلة بإنجاحه.
وشدد أبو غزلة، على ضرورة المحافظة على استقلالية الجامعات المالية والإدارية، برغم الدعم الحكومي لبعضها، وان يرتبط بأداء الجامعات، وان تسند عملية القبول الجامعي لكل جامعة، وفق سياسات محددة ومقرة، وفي هذه الحالة سيجري الاستغناء عن نظام القبول الموحد.
وأكد أهمية أن يكون لدى الوزارة الجديدة، سياسات وأنظمة مالية وإدارية وفنية موحدة، تنظم العمل الفني والإداري والمالي وخطط إستراتيجية للقطاعات الثلاثة: التعليم العام والعالي، والمهني والتقني، ما يضمن التكامل في التخطيط للنظام التعليمي، والتكامل أيضا بين الأدوار في التعليم والتدريب بين الكوادر البشرية بالمدارس والجامعات، وتسخير عمليات البحوث والدراسات لتطوير عناصر المنظومة التعليمية في القطاعين العام والعالي، والاستثمار الأمثل للموارد البشرية في الوظائف المتناثرة والمتعددة فيهما وحجمها والحاجة إليها في مؤسسات أخرى.
واعتبر أن الدمج سيحقق استثمارا أمثل إذا ما جرى الاستعداد له، وتوفير متطلبات نجاحه، وسيعمل على تنفيذ البرامج والمبادرات والمشاريع التربوية التعليمية، وتوجيه الأموال لتطويرها، بخاصة المشاريع الإستراتيجية بدعم المركز الوطني في رسم سياسات وتأليف المناهج والكتب المدرسية، وتطوير امتحان الثانوية العامة والقبول الجامعي، ودعم تحقيق نتائج كبيرة لسياسات وخطط وبرامج تطوير التعليم المهني والفني والتقني، بخاصة مشروع (بيتك)، إذا ما نفذ بالتكامل بين القطاعات الثلاثة.
بدوره، قال الخبير التربوي د. محمود المساد، إن التوجه نحو دمج الوزارتين، يعكس النهج المتبع في الإدارة الحكومية القائمة على المركزية الإدارية، وبنائها الهرمي في السلطة وصنع القرار واتخاذه.
وقال المساد، إن الدمج المزمع تنفيذه يكرس المركزية ويركز على إدارة الميدان عن بعد، معتبرا هذا النمط الإداري، يناقض فلسفة التعلم الحديثة القائمة على المواجهة والقرب، وتفهم الاحتياجات الفردية والعمل بالبرامج العلاجية الخاصة بالمنطقة والمدرسة والمتعلم.
وأضاف، إن الدمج يحتاج توظيفا فاعلا لقضايا أهمها: التكنولوجيا ووسائط الاتصال الحديثة المتجددة، واتقان المتعلمين والمعلمين لمهاراتها التفصيلية، كما يحتاج للتغيير في منهجيات التقويم جميعها في مراحل التعليم العام والعالي، بما فيها سياسات القبول الجامعي، وتوسيع مساحات عمل هيئة الاعتماد الجامعي، وتفعيل أساليبها والخروج بتوصيات خاصة بكل مؤسسة بشكل منفرد، ومتابعة التنفيذ والمعالجة تحت طائلة المساءلة، والاختيار المسؤول لقيادات العمل الميدانية.
وشاركهم الرأي الخبير التربوي عايش النوايسة، بقوله، إن وزارة التربية والتعليم تعمل ضمن إطار شمولي على تطوير تنظيمي، وهيكلة شاملة لكافة الإدارات والمهام والعمليات والبرامج والخدمات.
واضاف النوايسة، ان الوزارة بصدد إجراء هيكلة تنفيذا لخطة التحديث بدمج الوزارتين، وتجري حالياً دراسة للواقع وهندسة العمليات للدمج من منظور معاصر، يركز على دمج العمليات بشكل تنظيمي، يتناسب مع المهام والأدوار المطلوبة، لذا يجري تطوير بيئة تشريعة تلائم الدمج.
وبشأن التعليم المهني، قال النوايسة، تم دمج قطاع التدريب المهني بوزارة التربية، لذا استحدث موقع أمين عام لشؤون التعليم المهني، وطور السلم التعليمي بتطوير التعليم والتركيز على التعليم المهني وبما يتناسب مع المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل.
وأضاف ان الوزارة في العام الماضي، وضمن خطة التطوير المهنيّ التي أطلقتها الوزارة آنذاك، وتماشيا مع احتياجات الدولة ومواكبة لتطورات، حدثت مجموعة قرارات، تمثلت بتبني الوزارة برنامج التعليم المهني (BTEC).
ولفت الى ان هذا النظام، يتطلب من الوزارة إجراء تطوير شامل للمنظومة الخاصة باختبار الثانوية العامة، إذ سيصبح على عامين، وفي جانب تدريب المعلمين، نهجت الوزارة نهجا علميا متطورا، يركز على تقديم تدريب مهني وفق منظومة ترتبط بالأداء وبنظام الرتب، وبما ينعكس على أداء المعلمين، ويحسن من تعلم الطلبة، لذا طورت معايير تخصصية مهنية للوظائف التعليمية والفنية والإدارية والقيادية التخصصية، وكذلك طورت ميثاق إستراتيجية التنمية المهنية وإدارة أداء المعلم.