باتت المملكة تشهد سنويا ما بين يومين إلى أربعة أيام من العواصف الترابية، خاصة في مناطقها الشرقية، والتي ستزداد وتيرة تكرارها خلال الأعوام المقبلة نتيجة التغيرات المناخية، وتدهور الأراضي وموجات الجفاف.
فوفق سيناريوهات رسمتها مسودة تقرير البلاغات الوطني الرابع، فإن "معدلات الغبار والعواصف الترابية، نتيجة التغيرات المناخية سيزداد تكرارها بشكل مضاعف حتى عام 2050، والتي سترفع من وتيرة الإصابة بالأمراض التنفسية، بخاصة لدى كبار السن، ومن لديهم أمراض تنفسية".
وكان الأردن قد سجل المرتبة 7 عالميا في أدنى معدل وفيات ناتجة عن التلوث، وبمعدل 29 وفاة لكل 100 ألف نسمة، بحسب تقرير منظمة التحالف العالمي للصحة ومكافحة التلوث الصادر العام 2019.
وجاء في التقرير الدولي أن "الأردن سجل 1949 وفاة من ثلوث الهواء"، فيما تفيد بعض تقديرات منظمة الصحة أن "التعرض لتلوث الهواء يتسبب كل عام في حدوث 7 ملايين وفاة مبكرة ويؤدي إلى فقدان ملايين إضافية من سنوات العمر الصحية".
وفي الوقت الذي لم تسجل فيه أي عواصف ترابية خلال العام الحالي، باستثناء منطقة الجفر التي شهدت يوما واحدا مغبرا، تزايدت وتيرة هذه الظاهرة في عام 2015 حيث شهدت منطقة الأزرق 21 يوما من العواصف الترابية، بحسب سجلات دائرة الأرصاد الجوية.
وخلال الأيام الماضية التي شهدت فيها المملكة أجواءً مغبرة، أظهرت مؤشرات جودة الهواء المقاسة من محطات رصد الهواء المحيط التابعة لوزارة البيئة السبت الماضي أن الأجواء في منطقة الزميلة الواقعة في لواء الجيزة، بمحافظة العاصمة "غير صحية للمجموعات الحساسة"، لكنها عادت مجددا الى معدلها الطبيعي أمس.
وترتفع الجزيئات الترابية، بعد انطلاقها من السطح، إلى طبقات عليا من التروبوسفير بفعل الخلط المضطرب والتيارات الجوية الصاعدة بسبب الحمل الحراري، وتنقل الرياح هذه الجزيئات لفترات تتوقف مدتها على حجم هذه الجزيئات والأحوال الجوية، قبل أن تهبط إلى السطح مرة أخرى، بحسب منظمة الأرصاد العالمية.
وأكد مدير عام دائرة الأرصاد الجوية بالوكالة د. عبد المنعم القرالة أنه "في عام 2019 لم يكن هنالك سوى أربعة أيام تخللتها عواصف ترابية شهدتها المملكة، في حين انخفض معدلها في عام 2020 الى يومين فقط".
وأما عدد الأيام المصحوبة بالعواصف الترابية في عام 2021 فلم تتجاوز الثلاثة أيام، ثم ارتفعت الى أربعة عام 2022، تبعاً له.
وبين أن "الأيام المغبرة التي تشهدها المناطق الشرقية في المملكة خلال العام تعد ظاهرة طبيعية، في حين أن عام 2018 يعد من السنوات التي تخللها حدوث لعواصف ترابية وبصورة كبيرة".
و"سنوياً تشهد منطقة الأزرق ما بين يومين الى أربعة أيام عواصف ترابية، في حين أن المناطق الوسطى لا يتخللها مثل هذه الظاهرة سوى يوم واحد في السنة"، بحسبه.
فعلى سبيل المثال لم تسجل منطقة مطار الملكة علياء بين أعوام 2016 و2019 أي عواصف ترابية.
وتقدر الأمم المتحدة أن 2000 مليون طن من الرمل والغبار تنبعث في الغلاف الجوي سنويًا، في وقت تقدر فيه الخسائر الناجمة عن تلك الرياح بنحو 13 مليار دولار سنويًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ولما كانت الجزيئات الترابية الكبيرة تسقط أسرع من الجزيئات الصغيرة، يحدث تحول خلال عملية الانتقال نحو الجزيئات الأصغر، كما تحدث عملية غسل للتراب في الغلاف الجوي بفعل الهطل، وتتراوح فترة بقاء الجزيئات الترابية في الغلاف الجوي بين عدة ساعات بالنسبة إلى الجزيئات التي يتجاوز قطرها 10 ميكرومترات، إلى أكثر من 10 أيام للجزيئات التي يقل قطرها عن ذلك، تبعا لمنظمة الأرصاد الجوية العالمية.
ويعد حجم الجزيئات الترابية من العناصر الرئيسة التي تحدد المخاطر المحتملة على صحة الإنسان، فالجزيئات التي يزيد حجمها على 10 ميكرومترات لا يمكن استنشاقها، وبالتالي لا يمكن أن تؤثر إلا على الأعضاء الخارجية، وتتسبب، في أغلب الحالات، بالتهابات في الجلد والعين، والتهاب الملتحمة، وزياد التعرض لعدوى العين.
وأما الجزيئات التي يمكن استنشاقها، الأصغر من 10 ميكرومترات، فإنها تُحتجز في أغلب الأحيان في الأنف والفم والجزء الأعلى من القصبة الهوائية، ويمكن أن تكون لها صلة من ثم بالاضطرابات التنفسية مثل الربو والتهاب القصبة الهوائية والالتهاب الرئوي والتهاب الأنف التحسسي والسُحار السيليسي.
بيد أن الجزيئات الأدق حجماً يمكن أن تصل إلى الجزء الأسفل من القصبة الهوائية، وتدخل في مجرى الدم، حيث يمكن أن تؤثر على كافة الأعضاء وتتسبب باضطرابات في الأوعية القلبية.
ويشير تقييم نوذجي عالمي أجري في 2014 إلى أن التعرض للجزيئات الترابية يتسبب في زهاء 400 الف حالة موت مبكر بأمراض قلبية رئوية في الفئات العمرية التي تتجاوز 30 عاما.