يحيي الأردن والعالم، السبت، اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، تأكيدا لاشتمال مسألة الإعاقة شرطًا أساسيًا لدعم حقوق الإنسان والتنمية المستدامة والسلام والأمن.
وفي اليوم الذي يصادف 3 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، تعد مسألة الإعاقة من الأمور المحورية لتحقيق وعد خطة التنمية المستدامة لعام 2030 فيما يتصل بضمان ألا يتخلف أحد عن الركب.
ووفق الأمم المتحدة، فإن الالتزام بإعمال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ليس مسألة عدالة وحسب؛ وإنما هو كذلك استثمار في مستقبل مشترك.
وقالت إن الأزمات المعقدة والمترابطة التي تواجه البشرية اليوم —بما فيها الصدمات التي تسببت بها جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا وبلدان أخرى، ونقطة التحول في أزمة المناخ— تشكل تحديات إنسانية غير مسبوقة، فضلاً عن التهديدات التي يواجهها الاقتصاد العالمي.
"في أغلب الأحيان في أثناء الأزمات، يعاني المعرضون للمخاطر من مثل الأشخاص ذوي الإعاقة من الاستبعاد والتجاهل. وتماشياً مع الفرضية المركزية لخطة التنمية المستدامة لعام 2030 المتمثلة في: ألا يترك أحد متخلفا عن الركب، فإن من الأهمية بمكان أن تتعاون الحكومات والقطاعان العام والخاص مع الأشخاص ذوي الإعاقة في الوصول إلى حلول مبتكرة لهم بما يجعل هذا العالم أسهل وأيسر"، بحسب الأمم المتحدة.
84% لا يعملون
وطالبت ورقة موقف أصدرها "بيت العمال للدراسات" بإنفاذ أحكام قانون العمل وقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وإلزام مؤسسات القطاعين العام والخاص بتشغيل النسبة التي يوجبها القانون من ذوي الإعاقة، واتخاذ إجراءات رادعة بحق المخالفين لذلك.
وقالت الورقة، إنه ورغم النصوص التشريعية التي ضمنت ونظمت حق العمل للأشخاص ذوي الإعاقة، وعلى رأسها المادة 6 من الدستور، ورغم مصادقة الأردن على أهم الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بهذا الحق، ومن ذلك "اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة" الصادرة عن الأمم المتحدة والتي اعتبرت الحق في العمل أحد الحقوق الأساسية للأشخاص ذوي الإعاقة، واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 159 بشأن التأهيل المهني والتشغيل للمعوقين، التي تهدف إلى دمجهم في سوق العمل وتعزيز مبدأ تساوي الفرص، وتوفير خدمات التأهيل المهني لهم والتدريب بغية تمكينهم من الحصول على فرص العمل والاستقرار فيها والترقي، إلا أن قضية تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة وإدماجهم في سوق العمل ما زالت تشكل أحد أهم المعضلات التي يواجهونها في حياتهم، سواء في الوزارات والمؤسسات الحكومية أو في القطاع الخاص، وما زالت المحاولات الهادفة إلى تحقيق ذلك قاصرة ولم تحقق الحد الأدنى من أهدافها التي رسمتها التشريعات في تولي الوظائف العامة، وكذلك في الحصول على فرص العمل في القطاع الخاص.
ولفتت النظر إلى أنه في وقت بلغت فيه نسبة الأردنيين من ذوي الإعاقة 11.2% من مجمل السكان الأردنيين ممن أعمارهم خمس سنوات فأكثر، إلا أن 24% فقط ممن أعمارهم 15 سنة فأكثر نشيطون اقتصادياً أي يعملون أو يبحثون عن عمل، حيث لا تزيد نسبة المشتغلين من ذوي الإعاقة على (16%) من مجموع ذوي الإعاقة البالغين، أي أن ما يقرب من 84% من ذوي الإعاقة في سن العمل لا يعملون.
وأشارت الورقة إلى التحديات التي تقف أمام توظيف هذه الفئة تتمثل في عدم استجابة المؤسسات الرسمية والخاصة لتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة بحجة عدم مناسبة طبيعة الوظيفة لإعاقة الشخص المرشح للتعيين، وعدم توفر البنية التحتية اللازمة فيها، وكذلك استبعاد الأشخاص ذوي الإعاقة من العمل أو التدريب على أساس الإعاقة أو بسببها، وبأنهم يشتكون من تعرضهم لحالات من الاستبعاد من العمل أو التدريب على أساس الإعاقة أو بسببها، ويعاني بعضهم من عدم قدرة المسؤولين في مواقع العمل على التعامل مع طبيعة إعاقاتهم والتواصل معهم.
وكذلك من سوء المعاملة والتمييز، وما زالت الصورة النمطية هي السائدة في مجال تشغيل وتعيين الأشخاص ذوي الإعاقة، فغالبا ما يتم تعيين الأشخاص ذوي الإعاقة في وظائف لا تتناسب مع كفاءاتهم وقدراتهم ورغباتهم، وغالبا ما يكلفون بأعمال أدنى من مؤهلاتهم.
كما تمثل الترتيبات التيسيرية الواجب توفيرها في مواقع العمل وإمكانية الوصول أهم الالتزامات المترتبة على المؤسسات في مجال تشغيل ذوي الإعاقة وأصعبها لأنها تتطلب تعديلات بنيوية في مقار العمل مكلفة في كثير من الأحيان وفي أحيان أخرى من الصعب تحقيقها بسبب طبيعة بعض مواقع العمل لقدم إنشائها أو لتصميمها غير الملائم، كما أن هناك عدم جدية في السعي لتوفيرها في العديد من المؤسسات على اعتبار أنها ليست أولوية.
وفيما يتعلق بالجانب القانوني أشارت الورقة إلى أن المادة (25/ه) من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة قد أوجبت على الجهات الحكومية وغير الحكومية، التي لا يقل عدد العاملين والموظفين في أي منها عن (25) ولا يزيد على (50)، بتشغيل شخص واحد على الأقل من الأشخاص ذوي الإعاقة ضمن شواغرها، وإذا زاد عدد العاملين والموظفين في أي منها على (50) عاملا وموظفاً، تخصص نسبه تصل إلى (4 %) من شواغرها للأشخاص ذوي الإعاقة وفقاً لما تقرره وزارة العمل.
وأكدت المادة (13) من قانون العمل رقم (8) لسنة 1996 النافذ على ما جاء في المادة 25 من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث أوجبت على صاحب العمل أن يشغل من العمال ذوي الإعاقة النسبة المحددة في قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة النافذ ووفق الشروط الواردة فيه، وأن يرسل إلى الوزارة بياناً يحدد فيه الأعمال التي يشغلها ذوو الإعاقة وأجر كل منهم، وقد صدر في أيار من هذا العام 2021 نظام تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 35 لسنة 2021، والذي حدد التزامات ومهام الأطراف المعنية بعملية توفير فرص العمل للأشخاص ذوي الإعاقة في القطاعات الخاضعة لقانون العمل، وضمان بيئة العمل المناسبة لاحتياجاتهم، والترتيبات التيسيرية للأشخاص ذوي الإعاقة التي يجب توفيرها في بيئة العمل.
وعلى صعيد التوظيف في القطاع العام أوجبت المادة 45 من نظام الخدمة المدنية رقم (9) لسنة 2020 أن يتم تعيين الأشخاص ذوي الإعاقة وفقا لتعليمات اختيار وتعيين الموظفين في الوظائف الحكومية من الفئات الأولى والثانية والثالثة والعقود الشاملة، وأن تلتزم الدائرة بتوفير الترتيبات التيسيرية اللازمة لتمكينهم من ممارسة العمل وفقاً لتقرير يصدر عن لجنة تكافؤ الفرص المشكلة في المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
وأشارت الورقة بأن تعيين ذوي الإعاقة في الخدمة المدنية يتم ضمن فئة الحالات الإنسانية المعتمدة للتنافس على الوظيفة العامة في الخدمة المدنية، وهو أمر يخالف مضمون وأهداف قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث تشمل هذه الفئة أربع حالات هي (حالات خاصة وملحة، معونة نقدية متكررة، ذوو الإعاقة، وجود أربعة أفراد في الأسرة متعطلون عن العمل) وهو أمر يعيق إمكانية توفير فرص عمل كافية لفئة ذوي الإعاقة بالنسبة المقررة في القانون البالغة (4%).
وبينت الورقة بأنه ورغم عدم إفصاح ديوان الخدمة المدنية عن نسبة موظفي الخدمة المدنية من ذوي الإعاقة وإجمالي عددهم التراكمي، إلا أن أرقام العام الماضي كانت تشير إلى أن مجموع ذوي الإعاقة العاملين في 21 وزارة ومؤسسة حكومية لا يتجاوز 1822 موظفا، منها وزارات؛ التربية والصحة والتنمية الاجتماعية، وأمانة عمّان وديوان الخدمة المدنية، فيما يبلغ عدد طلبات التوظيف المقدمة من ذوي الإعاقة (2129) طلبا، وهو ما يؤكد عدم التزام المؤسسات الحكومية بتعيين النسبة المطلوبة من ذوي الإعاقة.
حقائق عالمية
- يعيش 80% من أصل مليار شخص من ذوي الإعاقة في البلدان النامية.
- يُقدر أن 46% من المسنين الذين تبلغ أعمارهم 60 عامًا أو أكثر هم من ذوي الإعاقة.
- يُحتمل أن تعاني واحدة من كل خمس نساء من إعاقة ما في أثناء حياتها، بينما يعاني واحد من كل عشرة أطفال من الإعاقة.
- الأشخاص ذوو الإعاقة هم من بين الأكثر تضررًا من فيروس كورونا في العالم.
وقال أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في هذه المناسبة، إن العالم يواجه سلسلة أزمات تؤثر على الأشخاص ذوي الإعاقة تأثيرا غير متناسب، داعيا إلى حلول تحويلية لإنقاذ أهداف التنمية المستدامة وعدم ترك أحد خلف الركب.
وأضاف، يسلط اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة العام الحالي الضوء على دور الابتكار في بلورة عالم منصف تتيسر فيه سبل الوصول.
وأشار غوتيريش إلى أن هذه الحلول تتطلب مزيدا من التعاون بين القطاعين العام والخاص لوضع استراتيجيات لصالح لأشخاص ذوي الإعاقة يشاركون فيها ويضطلعون بها، وأن يكون حجر الزاوية في هذا التعاون هو المشاركة النشطة للأشخاص ذوي الإعاقة بتنوعهم الكامل، وإدماجهم الكامل في جميع عمليات اتخاذ القرار.
"يمكن أن يكون الابتكار والتكنولوجيا أداتين قويتين للإدماج، ويمكنهما تعزيز سبل الوصول إلى المعلومات والتعليم والتعلُّم مدى الحياة. ويمكنهما أن يفتحا آفاقا جديدة أمام الأشخاص ذوي الإعاقة للمشاركة في القوى العاملة والمجتمع ككل على قدم المساواة"، وفق الأمين العام.
وأضاف، كي يتحقَّق وعد التكنولوجيا، يجب علينا سد الفجوة الرقمية وحماية حقوق الإنسان في الفضاء الرقمي، موضحا أن استراتيجية الأمم المتحدة لإدماج منظور الإعاقة تطرح خريطة طريق ملموسة للنهوض بإدماج منظور الإعاقة وإمكانية الوصول في جميع أعمال المنظمة.
وتابع غوتيريش "من المقر الرئيسي إلى الميدان، نعمل على تقييم ومعالجة وتعزيز إمكانية الوصول الرقمي ولأن نكون قدوة يحتذى بها في مجال إدماج منظور الإعاقة، وفي هذا اليوم وكل يوم، فلنعمل معا لإيجاد حلول مبتكرة لبناء عالم تتيسّر فيه سبل الوصول ويكون منصفا للجميع".
استراتيجية لإدماج منظور الإعاقة
وأكد غوتيريش — عند تدشينه استراتيجية الأمم المتحدة لإدماج منظور الإعاقة في حزيران/يونيو 2019 — على ضرورة أن تكون الأمم المتحدة هي القدوة التي يُحتذى بها، وعلى أهمية تحسين معايير المنظمة وأدائها فيما يتصل بإدماج منظور الإعاقة في كل ركائز العمل: ابتداء بالمقر الرئيس وانتهاء بالميدان.
وتتيح استراتيجية الأمم المتحدة لإدماج منظور الإعاقة الأساس اللازم لإحراز تقدم مستدام وتحولي فيما يتصل بإدماج منظور الإعاقة من خلال جميع ركائز عمل الأمم المتحدة.
وتؤكد منظومة الأمم المتحدة — من خلال هذه الاستراتيجية — الإعمال الكامل والتام لحقوق الإنسان لجميع الأشخاص ذوي الإعاقة، وبما يتوافق مع حقيقة أن ذلك هو جزء لا يتجزأ من جميع حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
واعترافا بهذا الالتزام، قدم الأمين العام في تشرين الأول/أكتوبر 2021، تقريره الثاني الشامل عن الخطوات التي اتخذتها منظومة الأمم المتحدة لتعميم إدماج منظور الإعاقة وتنفيذ الاستراتيجية منذ تدشينها. ونظرا لأثر جائحة كورونا على الأشخاص ذوي الإعاقة، اشتمل التقرير كذلك على تأمل وجيز في الممارسات المراعية للعوق في الجهود المبذولة للتصدي لكورونا والتعافي منه.