جراءة نيوز - عمان : نفى الرئيس السوداني، عمر البشير، أن تكون الاحتجاجات على ارتفاع الأسعار والمستمرة في البلاد، منذ تسعة أيام، «ربيعا عربيا». وقال أمام نحو ألف طالب سوداني إن من يحرقون الإطارات هم عدد قليل، واعتبرهم «محرشين وشذاذ آفاق»، ملمحا إلى وقوف جهة ما خلف الاحتجاجات التي تدور في بلاده. وأضاف الرئيس البشير أن «الذين تمنوا ربيعا عربيا في السودان أصيبوا بالخذلان»، منوها بأن الشعب السوداني «إذا أراد أن ينتفض فسينتفض بأجمعه»، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية، أمس. ويشهد السودان مظاهرات احتجاجا على التضخم الذي بلغت نسبته 30 في المائة في مايو (أيار) الماضي، حسب الأرقام الرسمية، ويمكن أن ترتفع مع خطة التقشف التي أعلنتها الحكومة الأربعاء، وخصوصا إلغاء الدعم عن المحروقات الذي أدى إلى رفع أسعار الوقود بنسبة 50 في المائة.
وقال: «نقول لهم: الذي يحصل في الدول العربية حصل (بدري) في السودان مرات ومرات»، مشيرا إلى أنه في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1964، وفي أبريل (نيسان) 1985، شهد السودان حملة تعبئة شاملة أدت إلى الإطاحة بالديكتاتورية العسكرية التي كانت تحكم البلاد.
وقال البشير إنه استقل «سيارة مفتوحة»، وسار بها في أنحاء الخرطوم الجمعة، بينما كان الدخان يرتفع في سماء المدينة بسبب احتراق الإطارات، بينما اشتبك سكان كثير من الأحياء مع الشرطة وأدانوا النظام وارتفاع الأسعار. وأضاف أنه عندما رآه الناس صاحوا: «الله أكبر».
والسودان الذي كان في شبه حالة إفلاس، خسر مليارات الدولارات من العائدات النفطية بعد انفصال الجنوب، الذي يملك ثلاثة أرباع الاحتياطي النفطي، في يوليو (تموز) 2011.
وبدأت الاحتجاجات الطلابية على غلاء الأسعار السبت قبل الماضي في جامعة الخرطوم، أكبر الجامعات السودانية، ثم امتدت إلى جامعات أخرى، وذلك احتجاجا على تدهور الوضع الاقتصادي، الذي أجبر الحكومة على إجراء خفض كبير في النفقات أدى إلى ارتفاع تكلفة المعيشة.
ومنذ التجمع الأول الذي نظم في 16 يونيو (حزيران)، ردت السلطات باستخدام قوات مكافحة الشغب لتفريق المتظاهرين.
إلى ذلك، قال شهود عيان إن الشرطة السودانية استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين مناهضين للحكومة في منطقة فقيرة بشرق البلاد أمس مع استمرار اندلاع مظاهرات تؤججها الأزمة الاقتصادية خارج العاصمة الخرطوم.
وانتشرت مظاهرات صغيرة في أنحاء السودان منذ أكثر من أسبوع احتجاجا على خطوات خفض النفقات وتقليل دعم الوقود وإجراءات تقشف أخرى لسد عجز في الميزانية.
وخرجت الاحتجاجات الأوسع نطاقا في السودان يوم الجمعة في أحياء بالخرطوم، واتسع نطاق المشاركين فيها إلى جانب نشطين من الطلاب قادوا المظاهرات.
وقال شاهد عيان إن عددا من الطلاب في كلية الطب بجامعة الخرطوم حاولوا تنظيم مظاهرة في وسط المدينة، أمس، لكن الوجود الأمني المكثف حال دون اكتساب الاحتجاج أي قوة دفع. وقال شهود عيان إن الشرطة استخدمت الهراوات والغاز المسيل للدموع في وقت متأخر مساء أول من أمس لتفريق احتجاج في منطقة الجريف بشرق الخرطوم، بعدما أغلق المتظاهرون طريقا رئيسيا وأحرقوا إطارات ورددوا هتافات تندد بغلاء الأسعار.
على صعيد آخر، أصدر الرئيس السوداني البشير، أمس، مرسوما جمهوريا أعفى بموجبه جميع مستشاريه برئاسة الجمهورية. ويأتي هذا الإجراء إنفاذا للقرارات الخاصة بإعادة هيكلة الدولة والإصلاحات الاقتصادية، التي أعلنها الرئيس البشير في وقت سابق بالبرلمان، الأمر الذي يؤكد خلو الحكومة المقبلة من منصب مستشار الرئيس.
وأعرب الرئيس البشير عن شكره لمستشاريه المعفيين في لقاء بالقصر حضره البروفسور إبراهيم أحمد عمر، والدكتور غازي صلاح الدين العتباني، وفريدة إبراهيم، ورجاء حسن خليفة (مؤتمر وطني)، والدكتور أحمد بلال عثمان (اتحادي ديمقراطي المسجل)، وأحمد حسن مساعد (اتحادي ديمقراطي الأصل)، والدكتور الصادق الهادي المهدي (حزب الأمة القيادة الجماعية)، فيما لم يحضر اللقاء كل من الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل والشرتاي جعفر عبد الحكم (مؤتمر وطني).
وقال الدكتور أحمد بلال عثمان في تصريحات صحافية، عقب اللقاء، إن المستشارين تخلوا عن مناصبهم طوعا واختيارا بصورة توافقية. واعتبر تخلي المستشارين عن مناصبهم رسالة تضامنية مع الشعب السوداني. وقال إنهم قابلوا ذلك برضا تام في إطار أحزاب حكومة الوحدة الوطنية، مؤكدا أن هذه الإجراءات ستعقبها إجراءات أخرى.
إلى ذلك، كشف الدكتور أحمد بلال عن تنازل الحزب الاتحادي الديمقراطي عن منصب وزير دولة ومستشار ضمن إجراءات إعادة الهيكلة، فيما يحتفظ بثلاثة وزراء ووزير دولة واحد.
ومن المقرر أن يتخلى حزب المؤتمر الوطني عن 11 وزير دولة من جملة 22 وزيرا، و6 وزراء من جملة 21 وزيرا، بالإضافة إلى 6 مستشارين.
من جهة أخرى، اعتبرت أحزاب من المعارضة السودانية توصيف الرئيس البشير للجماهير التي خرجت في المظاهرات التي شهدتها العاصمة الخرطوم ومدن أخرى بأنهم «شذاذ آفاق»، أنه محاولة إرهاب الشعب ووضعه أمام خياري القتل جوعا بالسياسات الاقتصادية التي أعلنها أو قتله بالرصاص في حال خروجهم.
وقال المحبوب عبد السلام، القيادي في المؤتمر الشعبي المعارض لـ«الشرق الأوسط»، إن الذين خرجوا في شوارع الخرطوم ومدن وأرياف الولايات ليسوا شذاذ آفاق وإنما هم جماهير الشعب السوداني.