وكاله جراءة نيوز - عمان - مندوبا عن جلالة الملك عبدالله الثاني، رعى الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد حفل إعلان تطهير جميع حقول الألغام المعروفة في الأردن كأول دولة شرق أوسطية تكمل مهمتها في هذا المجال
ووزع الامير الحسين بن عبدالله الثاني خلال الحفل الذي حضره عدد من الامراء وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين الدروع التقديرية للجهات المانحة والشركاء الذين عملوا الى جانب الهيئة الوطنية لازالة الالغام في مهمتها الانسانية.
وأزال الأردن أكثر من 300 ألف لغم مضاد للأفراد والدروع، في مهمة استخدم فيها الكوادر البشرية وبالاستعانة بالمعدات المتطورة والكلاب المدربة على امتداد مناطق غور الأردن ووادي عربة والمناطق الشمالية (الحاجز الأمني).
وخلفت الألغام، التي زرعت على مدى 50 عاما في500 حقل ضمن المناطق الحدودية الغربية والشمالية، العديد من الضحايا والمصابين منهم 900 شخص على قيد الحياة يتلقون الرعاية ضمن برنامج الهيئة الوطنية لإزالة الألغام وعادة التأهيل.
وقال الامير مرعد بن رعد رئيس الهيئة الوطنية لإزالة الألغام وإعادة التأهيل، خلال الحفل الذي حضره ولي العهد النرويجي الامير هاكون، انه باكتمال عمليات إزالة حقول الألغام بنجاح، فان الاردن ينهي التزاماته القانونية الدولية كعضو في اتفاقية حظر الألغام المضادة للافراد التي وقعها الأردن عام 1998.
واعلن «ان الاردن وبدعم من الجمعية النرويجية للمساعدات الشعبية يقوم بتنفيذ مشروع البحث والتفتيش على حدودنا الشمالية في المناطق التي تم تطهيرها وبالقرب منها للتأكد من تطبيق متطلبات الاتفاقية المحددة».
وقال الامير مرعد في الحفل الذي حضره عدد من مصابي الالغام «في حال تم اكتشاف مناطق مزروعة بالألغام بعد هذا التاريخ، فان الاردن وكدولة عضو سيعمل ما يجب القيام به بالتبليغ عن مثل هذه المناطق والاعلان عنها ايضا من خلال وسائل اخرى غير رسمية والتأكيد على اخلاء المدنيين في المناطق المشبوهة بتدمير كافة الالغام المضادة للافراد والتأكد من ذلك كأولوية قصوى».
واشار الى دور جلالة الملك عبدالله الثاني ودعمه المستمر للجهود الهادفة الى تخليص الأردن من الألغام، وقال ان دعم جلالة الملك وتصميمه بان يرى الأردن خال من الألغام كان له الدور الأساسي في حفز الهيئة على انجاز مهمتها.
واكد الامير مرعد تقديره للجهود التي بذلت طيلة سنوات البحث والتحري عن الالغام، واستمرار الهيئة في تقديم دعمها ورعايتها للمصابين جراء الالغام، وقال اننا «نجدد وعدنا لكم باننا سنبذل المزيد من الجهد لمراعاة احتياجاتكم في المستقبل».
وعبر عن تقديره لدور المؤسسات الداعمة خصوصا الجمعية النرويجية للمساعدات الشعبية التي عملت على تطهير الاردن من حقول الالغام في الجنوب وشريط الالغام المعقد على امتداد حدودنا الشمالية، ولجهود سلاح الهندسة الملكي في اطلاق جهود الازالة.
من ناحيته، عبر ولي العهد النرويجي هاكون ماغنوس الذي كان لبلاده دور في دعم جهود الهيئة الوطنية لازالة الالغام عن سعادته للمشاركة في حفل اعلان الاردن خال من حقول الالغام، والتي اوفا بهذا الانجاز بالتزاماته تجاه الاتفاقية الدولية بهذا الخصوص.
وقال ان الاردن اليوم بشجاعة ومسؤولية واصرار على تحقيق الحلم اصبح بلدا خاليا من الالغام في منطقة مازالت تشكل الالغام فيها تحديا كبيرا على حياة الناس وتهدد التنمية الاجتماعية والاقتصادية لهم. واشار الى التعاون البناء بين الهيئة الوطنية لازالة الالغام والتأهيل والجمعية النرويجية للمساعدات الشعبية والتي تمخضت عن تحقيق هذا الانجاز الذي يستهدف حماية حياة المواطنين.
وقالت مساعد الامين العام للامم المتحدة المدير الاقليمي لمكتب الدول العربية لبرنامج الامم المتحدة الانمائي امة العليم علي السوسه، ان هذا الحدث هو مثال جيد للعمل المشترك بين مجتمع المانحين في الامم المتحدة والشركاء الوطنيين في مواجهات التبعات المدمرة للحروب والمحافظة على الارواح وتمهيد الطريق امام التنمية البشرية.
وقالت ان الالغام تحصد كل 20 دقيقة حياة شخص في العالم، مؤكدة ان الاردن بهذا الانجاز يسطر على صفحات التاريخ هذه اللحظات التي تدل على تمكن القيادة والحكومة من اجل ايجاد حل شامل ودائم للتحديات الناجمة عن الالغام الارضية.
واشارت الى ان الاردن هو البلد الاول في الشرق الاوسط الذي اعلن خلوه من الالغام هذا العام وفقا للموعد الذي حددته اتفاقية اتوا الاممية لحظر الالغام.
وقالت «نحن هنا اليوم في هدف مشترك وواحد وهو تخليص العالم من هذه الأسلحة المدمرة التي لا تكاد تميز وهي تفرض بتبعاتها تكلفة شخصية واجتماعية باهظة على الضحايا واسرهم».
واشارت الى ما يترتب على الالغام ونتائجها السلبية من عواقب سيئة على المستوى الوطني مثل زهق الارواح واحداث التشوهات الجسيمة والصدمات النفسية، كما تحد من حرية الحركة والتنقل والوصول الى الخدمات الاساسية اضافة الى اعاقة التنمية والتعافي من الكوارث والازمات.
وقالت «يحق للاردن اليوم ان يفخر بقدراته البشرية في هذا المضمار بخاصة البراعة والتحمل والشجاعة التي اظهرتها الاردنيات العاملات في ازالة الالغام».
كما اشادت بقدرات وامكانيات الهيئة الوطنية لازالة الالغام واعادة التأهيل كمثال يحتذى به في المنطقة كافة.
وتحدث في الحفل كمال السعدي احد مصابي الالغام عن تجربته نيابة عن المصابين مستعرضا الصعاب والتحديات التي تواجه المصابين في خوض غمار حياتهم.
وقال « البعض منا كانوا صغارا جدا، مجرد أطفال، وآخرون كانوا كبارا، أمهات وآباء، زوجات وأزواج، جنود ومزيلي ألغام، يحملون مسؤوليات جمة عندما تسببت الألغام الأرضية بدمار عظيم وكارثة مفجعة لحياة كل منا؛ نحن، ضحايا الألغام».
واضاف «رأيت تلك الطاقة في عيون الكثير من زملائي الأردنيين الناجين من الألغام ، الذين يعملون يدا بيد، ويعتنون ببعضهم البعض، ويتفهم احدهم الآخر دون أن ينطق بكلمة، وذلك وبكل بساطة لأننا مررنا بذات تجربة الانفجار، وسرنا على نفس الدرب نحو الشفاء؛ فنجا البعض منا وتعدى الصعاب، والبعض الآخر لم يتمكن.
واشار الى الصعوبات الاقتصادية التي تواجه المصابين بالالغام الذين يعملون إما في الأراضي الزراعية، أو يقطنون في أماكن نائية، الأمر الذي يفرض واقعا أليما وصعبا للعيش بإعاقة جسدية أو بفقدان الأطراف وذلك ليس على الناجي وحده، بل على العائلة جمعاء، الكل يعاني.
وبين ان الأردن عندما وقع على معاهدة «أتاوا» عام 1998، كان بالنسبة للناجين انجازا مهما «شعرنا كما لو أن صرخاتنا الخفية قد استجيب لها، وكانت دفعة كبيرة إلى الأمام. تجددت الحياة والطاقة فينا وقام العديد منا بالانضمام إلى حملة حظر الأسلحة الدنيئة هذه. وأدركنا مسؤوليتنا في مشاركة العالم بتجربتنا، وأن نقدم ذلك في سبيل أمن بلدنا الحبيب، وأمن أطفالنا».
وخلال الحفل الذي عرض فيه فيلم وثائقي يبين الجهود التي بذلتها الهيئة في مكافحة وازالة الالغام تحدث الوكيل يوسف مهيدات من سلاح الهندسة الملكي ووعد الحوري السرحان من الجمعية النرويجية للمساعدات الشعبية عن تجربتها في ازالة الالغام.
وقال المهيدات منذ ان دخلت حقل الألغام امتزجت المشاعر بين القلق والاهتمام والمتعة لان المهمة كانت إزالة الألغام لا زراعتها على نقيض من مهام كثير من جيوش العالم ، فهي تجربة تبقى في الذاكرة حتى نهاية الحياة.
وبين أن التجربة الأولى التي امتزجت بها مشاعر القلق والخوف والسعادة والاهتمام ، ومع الخطوة الأولى داخل الحقل أصبحت لا اسمع إلا همسات ذاكرتي تعيد كل التعليمات والإرشادات الخاصة بإزالة الألغام ، حينها شددت بقبضتي على كاشفة الألغام ، باحثاً بكل هدوء وروية.
وقال ان الالغام، لا تحترم الكبير ولا الصغير ، لا تفرق بين المدني والعسكري، وتدمر الإنسان والحيوان، وتفقر الأرض التي كانت خصبة بالثمار والورود، هذا هو العدو فلا يمكن ان تُقبل العدو.
اما وعد السرحان فأشارت الى انه «في كل صباح تكررت اللقاءات مع تلك الألغام المزروعة على ارضنا، واجهنا فيها كافة أنواع الألغام المضادة للأفراد والمضادة للدبابات، الموجودة في عمق الأرض او على سطحها، او تلك الغارقة بالصدأ والأتربة وتلك التي زرعت على الأرض التي كانت ستكون لولاها منزلاً او مزرعة او مصنعاً او مدرسة او اي شيء نافع لمن يقطن حولها.
وعبرت عن شعورها بالفخر لانجاز المهمة، وقالت «تملؤني السعادة بأن الأردن وصل إلى بر الأمان بعيداً عن شر هذه الألغام التي كانت موجهة الى اهلنا وخير بلدنا».
وحضر الحفل عدد من اصحاب السمو الامراء، وكبار المسؤولين من مدنيين وعسكريين والسفراء وممثلوالجهات الدولية المانحة والداعمة شركاء الهيئة الوطنية لازالة الالغام واعادة التأهيل.
يشار الى ان برنامج إزالة الألغام لأغراض إنسانية انطلق عام 1993 بجهود كوادر سلاح الهندسة الملكي ودمر مخزون الأردن البالغ 93 ألف لغم عام 2003 وتابع البرنامج اعماله في اعقاب تأسيس الهيئة الوطنية لازالة الالغام والتاهيل التي عملت ضمن استراتيجة لهذه الغاية عملت مع الهيئات الدولية والجهات المانحة على تسريع وتيرة الازالة التي تكللت اليوم باعلان الاردن خاليا من حقول الالغام.