أكد خبراء في الشأن السوري والعلاقات الدولية أن غموض الموقف الأمريكي من الرئيس الانتقالي السوري ، ما بين إعلان واشنطن قلقها من صلاحيات واسعة يحصل عليها عبر الإعلان الدستوري من جهة، وما يخرج من وعود أمريكية لإصدار إعفاءات لعقوبات مفروضة على سوريا من جهة أخرى، يعكس وجود ملفات عديدة عالقة تحمل مقايضات ومقابلا سياسيّا، واستخدام الولايات المتحدة أسلوب "التخيير" بين الترغيب والترهيب.
وأوضحوا في تصريحات صحافية أن الغموض في الموقف الأمريكي يعكس أن الخيارات كلها قائمة أمام "الشرع" ما بين التماشي مع واشنطن في نقاط تتعلق بأمن إسرائيل وحماية المصالح الأمريكية، أو إمكانية عقد اتفاق سلام أو هدنة على الأقل بين تل أبيب ودمشق.
وأشاروا إلى أن هذا الغموض يتعلق أيضا بمدى قدرة "الشرع" على السيطرة على الفصائل المحسوبة عليه، والتحرر من فرض سيطرة تركيا على مؤسساته بالشكل القائم. في الوقت ذاته، يشترط أن يكون مانعا من عودة النفوذ الإيراني إلى سوريا.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أعربت مؤخرا عن قلقها من أن يمنح الإعلان الدستوري "الشرع" سلطات واسعة للغاية، معتبرة أن ذلك قد يؤثر على توازن العملية السياسية ومستقبل البلاد، داعية إلى تشكيل حكومة شاملة يقودها المدنيون في .
ويُوضح الخبير في العلاقات الدولية محمد بايرام أن الموقف الأمريكي كان يسعى إلى عدم عرقلة تبوؤ "الشرع" منصب الرئاسة أو اتخاذ إجراءات بشأن ما جرى من أحداث في الداخل السوري مؤخرا، ولكن في الوقت نفسه تراقب واشنطن تصرفات الإدارة السورية الجديدة، وتدعو دوما إلى تشكيل حكومة شاملة تمثل أطياف الشعب كافة، بحيث تكون صلاحيات الرئيس غير واسعة.
وأضاف بايرام أن هناك اهتماما أمريكيّا واضحا بالملف السوري، حيث يتم تقديم حوافز وتسهيلات لتقديم نوع من السيطرة على النظام في دمشق. وهذه السياسة تظهر في التلويح بدعم حكومة الشرع، وفي الوقت ذاته، استخدام لغة تشير إلى أن هناك طرقًا أخرى قد يتم اللجوء إليها في حال الخروج عن النسق المتفق عليه.
وأشار بايرام إلى أن غموض الموقف الأمريكي من صلاحيات الشرع ما بين عدم عرقلة أي مسار يتعلق به في الفترة الماضية، والإعلان عن التخوف من منح الإعلان الدستوري دورًا واسعًا له، يأتي في إطار تحكم إدارة ترامب بعدد من الأدوات التي تتيح لها التفاعل مع تطورات الوضع. ويتعلق هذا بشكل خاص بإمكانية حدوث تقارب بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومة الشرع.
لكن ردود أفعال حكومة الشرع لم ترتقِ إلى حد التأكيد على حماية البلاد من الهجمات الإسرائيلية. في الوقت ذاته، تحرص الإدارة الأمريكية على إتاحة الفرصة لإسرائيل لضم أكبر قدر ممكن من الأراضي السورية، بينما يظل الغموض أداة تستخدمها واشنطن للضغط على "الشرع" بهدف الدفع نحو اتفاقية سلام مع تل أبيب أو هدنة على الأقل، مع ضمان أمن الطرف الإسرائيلي.
وتابع بايرام أن الملف السوري لم يكن يوما بعيدا عن اهتمام الإدارة الأمريكية، حيث إن التقارب الذي تم بين قوات قسد وقائدها مظلوم عبدي ولقاءه مع "الشرع" كان بمثابة وساطة وضغوط أمريكية أسفرت عن هذا الاتفاق.
من جانبه، يرى الباحث السياسي السوري مروان حداد أن هناك العديد من الملفات العالقة التي ما زالت بحاجة إلى شد وجذب، مع مقايضات ومقابل سياسي؛ مما يستدعي من إدارة "ترامب" إشهار جميع أوراقها.
وتظهر هذه السياسة من خلال التخيير بين الترغيب والترهيب، حيث يُتوقع أن يُقابل السير في الاتجاه المطلوب نوع من المكافآت، في حين أن الخروج عن هذا الاتجاه سيقابله خطوات تهدد استمراره وتحضر سيناريوهات بديلة.
ويؤكد حداد أن صورة الولايات المتحدة في دعم الديمقراطية بسوريا أمام العالم تقتضي عدم فرض سلطات "الشرع" على كافة المكونات السورية، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لواشنطن.
ومع ذلك، فإن الأهم من ذلك هو التنوع في سبل التفاعل، والتي تُصوَّر بأنها "غموض". هذا الغموض يتطلب أن يكون النظام السوري متوافقا مع أسس تتعلق بأمن إسرائيل، وقدرته على إنهاء أي خروج داخلي عن الخط المرسوم، سواء من فصائل مسلحة تابعة أو متعاونة مع "الشرع". من هنا، فإن هذه الفصائل قد تمثل خطرا على أمن إسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة.
واستطرد حداد قائلًا: إن إدارة "ترامب" لا ترغب في وضع الرهان الكامل على إدارة "الشرع" إلا بعد إثبات قدرتها على التعامل مع القضايا الصعبة، وفي صدارتها فرض السيطرة على الفصائل التي دعمته في الوصول إلى دمشق.
كما يجب أن يتحرر من تأثير القوى الإقليمية، في إشارة إلى تركيا، في مؤسساته وأجهزته، مع ضرورة أن يكون مانعا لعودة النفوذ الإيراني إلى سوريا.
وخلص حداد إلى القول إن الغموض في هذه الحالة يُعتبر أداة مهمة، حيث في حال فشل "الشرع" في التعامل مع نقاط الرهان الأمريكية، سيكون من السهل على واشنطن سحب دعمها عنه. بذلك، تكون الإدارة الأمريكية قد قدمت دعمها في إطار سعيها لنجاح تجربة الاستقرار في سوريا.