ستكون الانتخابات البرلمانية الأردنية القادمة والتي ستجرى يوم الثلاثاء 10 سبتمبر/ أيلول الجاري أولى الامتحانات لتطبيق الإصلاحات ثلاثية الأبعاد، والتي بدأ الملك عبدالله الثاني الدعوة لها عبر سلسلة الأوراق النقاشية السبع التي نشرت الأولى منها بتاريخ 9 كانون الأول/ ديسمبر2012. ونشرت الأخيرة منها بعد أكثر من خمس سنوات بتاريخ 15 نيسان/ إبريل 2017، وعبر التعديلات الدستورية التي أجريت عام 2022 وشملت أكثر من 40 تعديلاً فتحت الطريق أمام قانونَين جديدين هما قانون الأحزاب، وقانون الانتخابات.
ووفقاً للقانون الجديد لمجلس النواب، فإن عدد الأحزاب التي سجلت واكتملت أوراقها واستوفت شروطها بلغ 32 حزباً قبل عدة أشهر حسب تقريرٍ لراصد الموقع المتابع لهذا الحدث. ومن المقدر بعد عمليات الدمج أو الانسحاب أن يبلغ عدد القوائم المشاركة حسب الدائرة المستقلة للانتخاب 25 قائمة فقط يشارك فيها 36 حزباً من أصل 38. وخصص لمجلس النواب القادم (العشرين) حسب القانون41 مقعداً توزع بينهم حسب الأصوات التي يحصل عليها كل حزب. ولكن من الواضح أن هناك عدداً من الأحزاب سيكون لها نصيب أوفر من غيرها مثل حزب الميثاق، وحزب الجبهة الإسلامية (الإخوان المسلمون) والأحزاب الإسلامية التي اندمجت في حزب واحد اسمه حزب الوسط الإسلامي، وحزب إرادة الذي لا يزال قوياً رغم أنه واجه عدداً من حالات الاستقالة، والحزب الشيوعي، وأحزاب أخرى في مناطق مختلفة.
أما باقي أعضاء مجلس النواب والبالغ عددهم 97 عضواً من أصل 138، فهؤلاء سوف يشكلون قوائم حزبية موزعة على 18 دائرة انتخابية، ثلاث في محافظة العاصمة واثنتان في محافظة إربد، وواحدة لكل من باقي المحافظات، وثلاث دوائر لبدو الشمال وبدو الوسط وبدو الجنوب، ويجوز للأحزاب أن يكون لها مرشحون ضمن الكتل الانتخابية المختلفة دون التعريف بالمرشح بصفته منتسبا حزبيا. أما في الانتخابات البرلمانية بعد القادمة (مجلس النواب21) فسوف يرفع عدد النواب من الأحزاب إلى 65 عضواً، ثم يصل الرقم إلى أقصاه في انتخابات مجلس النواب الثاني والعشرين عام 2032 إلى 90 نائباً حزبياً، و48 من القوائم المحلية.
وعندما يقترع الناخب الأردني، فإنه سينتخب فقط الحزب الذي يختاره من غير أن يحدد الأسماء. وذلك لأن الأسماء في كل قائمة حزبية قد رتبت حسب الأولوية بحيث لو فاز الحزب بمقعد واحد فقط، فسوف يكون ذلك العضو هو أول اسم مكتوب على رأس قائمة ذلك الحزب، وإن حاز على مقعدين فسيكون هذان المقعدان من نصيب الأول والثاني المذكورين في قائمة الحزب، وهلم جرا. ووفقاً للتوقعات، فإن حزب جبهة العمل الإسلامي مرشح للحصول على (8 - 10) مقاعد حزبية وعلى الأقل عشرة أخرى من القوائم المحلية. والشيء نفسه ينطبق تقريباً على حزب الميثاق، وأقل منهما حزبا الوسط الإسلامي وإرادة، وأقل منهما أحد الأحزاب اليسارية.
وتواجه الانتخابات القادمة تحديات أولها وأهمها قلة الإقبال على صناديق الاقتراع خاصة في محافظات عمان والزرقاء وإربد بسبب الأحداث الداخلية في غزة، وهو أمر لم يقبل به الملك عبدالله الثاني بن الحسين عذراً لتأجيل الانتخابات. وقال إن الخوف لدى البعض من أن تكون الانتخابات فرصة لهيمنة حركة الإخوان المسلمين على المشهد السياسي غير مبرر، ودع الصناديق تعكس رأي الناس في الأردن. ولكنني شخصياً تحدثت إلى بعض السادة والسيدات الفاضلات من الحركة الإسلامية، وهم راضون لو فاز حزبهم بـ25 مقعداً في تمثيل مناطقي وحزبي.
أما الإشكالية الثانية فهي عدم شمول البرامج الحزبية المختلفة لبيان واضح عن كيفية معالجة المشاكل الاقتصادية الأساسية التي يواجهها الأردن مثل البطالة خاصة بين الشباب والاناث، وتفاقم عجز الموازنة الذي سينعكس على زيادة في الدين العام، ومشكلة الفقر الذي يعقد حياة 13% من الأسر الأردنية، والعسرة النقدية الناجمة عن التشدد في السياسة النقدية في الأردن، والتي ربما تنفرج قليلاً إذا قام البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بقيادة جيروم باول Jermoe Powell بتخفيض سعر الفائدة على الدولار بنسبة نصف نقطة أساس 0.50%، وإذا قام البنك المركزي الأردني بنفس الخطوة بسبب ارتباط الدينار بالدولار، فإن هذا سيشكل انفراجاً على الأسر الأردنية المدينة، وعلى عبء خدمة الدين العام بالنسبة للحكومة.
وقد بدأت الحكومة تجري عبر برامجها الإذاعية والتلفزيونية والصحافية مناظرات بين الأحزاب من أجل إشعال نيران النقاش فيما بينها، ومن خلال ذلك النقاش الخاص يمكن أن تبرز للناس الاختلافات في وجهات النظر إزاء مقاربة هذه المشاكل واستنباط الحلول لها. وقد نجح ذلك إلى قدر محدود في تحريك النقاش. وبرزت ثلاثة مقاربات للحلول قدمت الحركة الإسلامية برنامجاً واضحاً لذلك يستند إلى الاستثمار ورفع الإنتاجية ومحاربة الترهل والفساد، ويكون التركيز الاقتصادي فيها على تحريك أدوات الحماية الاجتماعية حسب المنهج الإسلامي مثل الزكاة والوقف وغيرها من أعمال الخير. والشيوعيون واليساريون يدعون إلى مزيد من تشديد القبضة الحكومية وتدخلها لحماية العمال والمستهلكين والفقراء، ويدعون إلى محاربة الفساد وتعيين الشخص المناسب في المكان المناسب. أما الأحزاب الأخرى، فيدعو كثير منها إلى زيادة الاستثمار الحكومي، وتشجيع المشاركة، ومنح العاطلين من العمل فرص التوظيف، وتشجيع الاستثمار، وتطبيق مبدأ: من أين لك هذا؟
إن قراءة متأنية في مواقف الأحزاب والكتل المحلية في الدوائر الانتخابية لن تختلف كثيراً عن الخطوط العريضة للمجموعات الثلاث التي ذكرت أعلاه بين الإسلاميين واليساريين والوسط. ولكن السياسة العليا في الدولة تعتقد أن المشكلة الاقتصادية على الرغم من أهميتها تأتي في الدرجة الثانية من الأهمية بعد القضايا السياسية والسعي للوصول إلى وضع يسمح بالتهدئة في المنطقة، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية التي تتسبب في تأزيم الاقتصاد العربي عامة، والأردني خاصة. وإلى تفاهم الدول العظمى على أن استمرار التوتير في منطقتنا سيكون وبالاً على أهل المنطقة والعالم بأسره. ولذلك، فإن الأردن يندد بشدة بأعمال إسرائيل في الأراضي المحتلة منذ عام 1967، وسعي المتطرفين منهم بقيادة نتنياهو لتوسيع دائرة الحرب وإدخال المنطقة في أتون لا يدري أحد متى سيطفأ.
هاتان القضيتان (الاقتصاد المحلي ووضع المنطقة العربية) سيتحددان داخل الأردن بطبيعة مجلس النواب الأردني القادم. ونتائج يوم العاشر من هذا الشهر (أي بعد خمسة أيام من اليوم) ستكون ذات أثر عميق على طبيعة السياسات الأردنية القادمة، ومن هنا تكثر الإشاعات حول الأشخاص والجهات التي سوف تتولى قيادة السلطات الأردنية وبخاصة مجلسي النواب والأعيان، ومجلس الوزراء وبالأخص رئيس الوزراء القادم. وكذلك تتناول الإشاعات مراكز حساسة أخرى في الدولة الأردنية. والملك حسب النص الدستوري سوف يوازن كل هذه الاعتبارات ويختار من يراهم الأنسب لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية المعقدة التي سيواجهها الأردن.
وللإجابة عن سؤال من هو رئيس الوزراء القادم؟ فقد طرحته على تطبيق Chat GPT على النحو التالي: "من تعتقد أنه سيكون رئيس وزراء الأردن القادم؟". وجاء الرد عند كتابة هذه السطور مترجماً عن الإنكليزية على النحو التالي:
"لا يزال الجواب غير واضح المعالم بالنسبة لمن سيختاره جلالة الملك عبدالله الثاني خلفاً لرئيس الوزراء الحالي د. بشر الخصاونة، مع أن الناس ينتظرون القرار على أحر من الجمر. ويمضي التطبيق قائلاً "إن اختيار الملك عبدالله الثاني لرئيس الوزراء القادم سوف يعكس الأولويات السياسية الحالية مثل الإصلاح الاقتصادي، والحفاظ على التوازن الإقليمي. وقد يأتي القرار متأثراً بعدة عوامل أهمها مواجهة التحديات الداخلية، والديناميات الإقليمية، وحتى الآن لا يوجد اسم أو أسماء متفق عليها لمن سيكون رئيس الوزراء القادم. ولكن الواضح أن القرار سوف يعكس رغبة الناس في الإصلاح الاقتصادي والتوجهات العامة للشعب الأردني، والاستجابة مع التطورات الإقليمية".
إذن، حتى هذا التطبيق المبني على الذكاء الاصطناعي والمعتمد على المواقع الالكترونية الأكثر اعتمادية، حيث يجمعها ويخرج باستنتاج يعتمد عليها لا يزال قاصراً عن تسمية محددة لذلك الرئيس المتوقع.
د. جواد العناني - "العربي الجديد"