نُدرِك جيّدًا أنّ " الانهِيار” هو العُنوان الرئيسي للأوضاع في لبنان هذه الأيّام، مثلما نُدرِك أنّ 80 بالمئة من اللّبنانيين بحاجةٍ إلى مُساعداتٍ إنسانيّة في ظِل الأزمة الاقتصاديّة الطّاحنة، ولكن أن يَصِل الأمر بالعِماد جوزيف عون قائد الجيش اللّبناني أن يقول في تصريحاتٍ صحافيّة بأنّ جُنوده يُعانون من الجُوع، ويَستَنجِد بالدّول المانحة لتقديم العَون له، فإنّ هذا لا يُمكِن أن يتَصوّره عقل.
جيشٌ من المُفتَرض أنّ من صميم واجباته حماية البِلاد، وأمنها، واستِقرارها، والسّلم الاجتماعي فيها، لا يَجِد جُنوده رغيف الخبز، ولا عُلبة حليب لأطفاله، كيف يقوم بهذه المهام على أكمل وجه خاصّةً في ظِل حالة الانهِيار التي تعيشها البِلاد على الصُّعُد كافّة.
ميزانيّة الجُيوش تحظى بالأولويّة المُطلَقة في جميع أنحاء العالم، وهي ميزانيّة يجب أن تأتي من الدّولة، وناتِجها القومي، وليس من "إكراميّات” وفُتات أيّ دولة خارجيّة حتى يظَل قرار الجيش مُستَقِلًّا، غير تابع للخارج، إلا في لبنان، فإنّ ميزانيّته تأتي من الأُمّ الحنون فرنسا ومن الجدّة الكُبرى الولايات المتحدة اللّتين تَقِفان خلف كُلّ المصائب التي حلّت وتَحِل في هذا البلد سياسيًّا واقتصاديًّا.
من المُؤكَّد أنّ معنويات جُنود هذا الجيش الذي ظلّ مُتماسِكًا، وفوق الطائفيّة، المرض الأكثر فتكًا في البِلاد، رُغم كلّ المصائب، في الحضيض، وفي هذا الوقت الأصعب الذي تعيشه البِلاد، وهذه نتيجة لا تحتاج مُقَدِّماتها إلى شرح، فالدّول المانحة التي طلب العِماد عون قائد الجيش نجدتها، هي التي فرضت الجُوع على الجيش اللبناني وعناصره، لأنّها تَربِط مُساعداتها بانخِراطه في حربٍ ضدّ "حزب الله” لنَزعِ سِلاحه الذي يُشَكِّل تَهديدًا وجوديًّا لدولة الاحتِلال الإسرائيلي.
مَمنوعٌ أن يَجِد الجندي اللبناني الذي انخفض راتبه إلى 80 دولارًا في الشّهر رغيف الخُبز لأطفاله بسبب فُقدان اللّيرة اللبنانيّة أكثر من 90 بالمِئة من قيمتها في العامَين الأخيرين، وهذا المنع يأتي من الولايات المتحدة التي تقوم سفيرتها في بيروت بدور المندوب السّامي، وتتحكّم بمُقدَّرات البِلاد من خِلال عُملائها المحلّيين، ومثلما تعمل أمريكا على تجويع الجيش اللّبناني لتركيعه، تُطَبِّق القاعدة نفسها على الشّعب اللّبناني الذي أصبح بعضه يبحث في النّفايات عمّا يأكُله، وتَصِل طوابير سيّارات "المحظوظين” عدّة كيلومترات أمام محطّات البنزين، والسّبب أنّ أمريكا تَفرِض حِصارًا على الوقود، وتمنع الحُكومة من استِيراده من إيران التي تَعرِضه بأسعارٍ تشجيعيّةٍ ومُستَعدّة لبيعه باللّيرة اللبنانيّة.
نَستغرِب قُبول الجيش اللّبناني، ومن خلفه الشّعب، هذه الإهانات المُتواصلة التي وصلت سكّينها إلى العظم، الأمر المُؤكَّد أنّ الثّورة قادمة، وسيكون هدفها الأوّل أصدقاء لبنان المُزَوِّرين المُتآمرين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وعُملائها العرب المُشاركين في عمليّات التّجويع والتّركيع هذه.