صرخ "صالح" عندما رأى نفسه.. ماذا يفعل وكيف يتصرف بين أهله في فيديو سجله له أهله حتى يعرف ما هي حالته؟
حاله كحال كثيرين في الأردن ممن أدمنوا المخدرات، فهم يفقدون القدرة على تمييز الصحيح من الخاطئ في حال تعاطي الجرعة، لذا قرر والد صالح وإخوته أن يصوروه بالهاتف حتى يعرف حقيقة الواقع الذي يعيشه بعد تدخين سيجارة "الجوكر".
سيجارة "الجوكر" وهو حشيش اصطناعي تلاعب بحياة الكثيرين، خاصة من الشباب، ومن هنا ارتأت "جراءة نيوز" أن تسلط الضوء على تجارب أشخاص وصلوا إلى مرحلة التعافي من الإدمان، لينقلوا رسائلهم إلى المجتمع.
يقول صالح: إن أوهام الفضول ونسيان الهموم وإثبات الرجولة دفعته لتجربة المخدرات، خاصة الحشيش، ومن ثم غرق في الإدمان، وصولا لما هو معروف بسجائر "الجوكر"، أي الحشيش الاصطناعي.
يضيف صالح، الذي يبلغ من العمر، 27 عاماً: "عندما بدأت في تعاطي المخدرات كان عمري 19 عاماً، والجرعة الأولى اقترحها علي صديقي، فكان يسرقها من أخيه المعروف بأنه يروج المخدرات، أقنعني صديقي أن الحشيش سيمنحني شعورا لم أشعره من قبل، وأنه غير ضار، وطبعا صدقته معتقدا أنه صديقي ولن يخدعني!".
صالح دخن أول سيجارة من الحشيش، فقلبت حياته رأسا على عقب، ويقول: "صديقي دمر حياتي، بأسلوبه المقنع وثقتي به، فبعد هذه الخطوة خسرت عائلتي وأصدقائي وكل من أحبهم، في المرة الأولى تكون هذه الجرعة مجاناً، وعندما وصلت للجرعة الخامسة طلب مني المال ليعطيني هذه السيجارة، وأصبحت أدبر ثمن هذه السيجارة بالتحايل والنصب واختلاق الجرائم".
ويعترف صالح بأن صديقه "الوفي" لم يكتف بعرض الحشيش عليه فقط، بل أقنعه أيضاً بسجائر الجوكر لأن مفعولها أقوى كما وصفها له، حيث إن المدمن على الحشيش يحتاج إلى 17 سيجارة يوميا ليكتفي، في حين أن سيجارة الجوكر الواحدة تكفي لأكثر من يوم، وسعرها لا يتجاوز 25 دولارا، ليصبح مدمناً للجوكر.
"لم أتخيل أن ابني مدمن"
لاحظت عائلة صالح أن حاله ليست سوية، وأن هنالك أمرا يسيطر على تفكيره ليصبح منعزلاً وغير اجتماعي ولا يهتم بالعائلة، يقول والد صالح: "كان يتمتع بشخصية اجتماعية ويهتم بكل تفاصيل العائلة، إلا أن هذه الشخصية تغيرت، ومع سؤالي عن حاله لا يجيب، كان يمضي ساعات طويلة في النوم، ويرجع لطبيعته للحظات معدودة، وبعد طلبه المتكرر للمال بدأت أشك ولكن لم أتخيل أن ابني سيكون مدمنا للمخدرات!".
بعد ضبط رجال الأمن لصالح؛ اكتشفت عائلته أنه مدمن مخدرات، وقررت مساندته، خاصة أن الأقارب المحيطين بهم عندما اكتشفوا الحقيقة ابتعدوا عن الأسرة وأصبح هنالك تجاهل مقصود من الجيران والأصدقاء، واقتنع صالح بالذهاب لمركز علاج المدمنين، التابع لإدارة مكافحة المخدرات، خاصة أنه سيعفى من العقوبة إذا سلم نفسه، والعلاج مجاني في المركز.
يؤكد صالح أن السعادة التي يشعر بها المدمن بعد تدخينه للجوكر هي سعادة وهمية، وأن حياته تُدمر، ومن الممكن أن يموت بأي لحظة، ويصبح يتخيل أموراً غير موجودة وأوهاما تلاحقه، ويقول: "الآن شفيت الحمد لله من هذا الإدمان، وجل همي توعية المجتمع من خلال مبادرة أطلقتها تدعى (أردن جديد بلا مخدرات)، فالتجربة التي عشتها مليئة بالذل والإهانة والخوف وأتمنى ألا يمر بها أحد".
تحسين النفسية
أما أبو حمزة، الذي يبلغ من العمر 34 عاماً، فيسرد تجربته قائلا: "دخنت أول سيجارة حشيش عام 2008، بعد شعوري بالإحباط والحزن لأنني لم أتمكن من زواج فتاة، وقد رآني صديقي وأخبرني أن هذه السيجارة ستنسيني هذا الإحباط وتحسن نفسيتي، أول سيجارة كان شعوري بها رائعا وبعد أيام بدأت حالتي تتدهور أكثر فأكثر وبدأت أبحث عن صديقي".
زوجة أبو حمزة عندما عرفت أن زوجها بات مدمنا أصابتها صدمة نفسية، خاصة أنها لم تلاحظ يوماً أي سلوك غريب على زوجها داخل المنزل، ويردف أبو حمزة: "لم أدخن أي سيجارة حشيش داخل المنزل لأنني كنت أخشى أن تعرف زوجتي وأطفالي الثلاثة، ولكن مع الوقت تدهورت علاقتي بزوجتي وعملي أيضاً، لانني أصبحت أتصف بصفات الشك والكذب والمراوغة وغيرها من الصفات السلبية".
أبو حمزة كان يقضي شهورا دون أن يرى أطفاله بسبب عزلته وتركيزه فقط كيف سيؤمن ثمن هذه السجائر، ويقول: "كان لي عمل مستقر، لكنه تدهور بسبب عدم تركيزي، خاصة بعد أن عرفت سجائر الجوكر التي هي أغلى ثمناً من الحشيش، والتاجر يتلاعب في هذه السجائر ونوعيتها حتى يجبر المتعاطي على العودة له دوماً، صديقي الوفي الذي ظننت أنه صديق اكتشفت بعد مدة أنه أقنعني بهذه السجائر ليدمر عملي، فهو من أكبر المنافسين لي في السوق، وبالفعل دمرني، ولكن بعد الشفاء سأحاول أن أعود إلى الزبائن وإلى مهنتي بكل طاقة وقوة، والله سبحانه وتعالى سيمنحني القوة وسيقبل توبتي بإذن الله".
ويضيف أبو حمزة: "خضعت لعلاج كامل في مركز علاج المدمنين، وأدعو كل إنسان ألا يدمر حياته، فالمركز جعلني أرجع لأطفالي وزوجتي التي تساندني الآن بكل طاقتها".
القانون يعفي المدمن
وتعتبر الجوكر من المخدرات الاصطناعية أي المواد المحظورة عالميًّا بسبب سميتها العالية، ويدمن عليها الشخص بعد المرة الأولى، وتحتوي على مواد كيماوية كالأسمدة والمبيدات الحشرية ومواد مجهولة، قد تؤدي إلى الموت في كثير من الحالات، ووفقاً للمادة 8 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية تم إدراج الجوكر ضمن المواد المخدرة الممنوعة التي يحاكم مروجها أمام محكمة أمن الدولة.
وفي الوجه الآخر من القانون الأردني فإنه يحفز المدمن على العلاج، فأي شخص مدمن يقوم بتسليم نفسه طلبا للعلاج، يعفى من المساءلة القانونية والعقوبة، ووفقاً للمادة 14 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلي رقم 11 لسنة 1988 حيث ينص على: "لا تقام دعوى الحق العام على من يتعاطى المواد المخدرة والمؤثرات العقلية أو يدمن عليها إذا تقدم، قبل أن يتم ضبطه، من تلقاء نفسه، أو بواسطة أحد أقربائه إلى المراكز المتخصصة للمعالجة التابعة لأي جهة رسمية أو إلى إدارة مكافحة المخدرات أو أي مركز أمني طالبا معالجته'.
ويبين الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام، الرائد عامر السرطاوي، أن مركز علاج المدمنين التابع لإدارة مكافحة المخدرات تعامل منذ بداية العام الحالي مع 422 حالة من المدمنين، فيما تعامل العام الماضي مع 807 حالات.
ويتابع السرطاوي: "أي مدمن قام بتسليم نفسه يعفى من المساءلة القانونية والعقوبة، وسيوفر له مركز علاج الإدمان مختصين من وزارة الصحة وإخصائيين اجتماعيين ونفسيين وأيضاً مرشدين دينين، لمساعدته للوصول إلى حالة التعافي، ويأخذ علاج كل مدمن فترة مختلفة عن الآخر، إلا أن المدة الزمنية المتوسطة تمتد من شهر إلى شهرين، وذلك بحسب نوعية المخدر التي يتعاطاها المدمن ومدى سميتها".
ويذكر السرطاوي أن تعاطي الجوكر ينتشر في الفئة العمرية من سن 12 إلى 25 سنة، و أن آخر إحصائيات رسمية صادرة عن إدارة مكافحة المخدرات بينت أن القضايا المضبوطة في العام 2014 بلغت 10 آلاف و98 قضية، في حين بلغ عدد الأشخاص المضبوطين 13 ألفا و564 شخصا، وأن عدد قضايا الحيازة والتعاطي وصل إلى 9 آلاف و343 قضية، بينما بلغ عدد الأشخاص المضبوطين فيها 12 ألفا و441 شخصا، فيما بلغ عدد قضايا الاتجار بالمواد المخدرة 755 قضية، وعدد الأشخاص المضبوطين فيها 1123 شخصا.