"كنت واثقة من أنني سأتجاوز عثرة المباراة الافتتاحية، لقد أردت هذا الهدف بشدة، كان أمرا رائعا حقا”. في ستاد الحسن الدولي في مدينة إربد كان هذا المشهد التاريخي: دقائق معدودة بعد صافرة البداية حصلت سارة أبو صباح على الكرة على الجهة اليمنى، انطلقت بها بالسرعة القصوى ثم تخلصت من ظلها ووصلت المكان المناسب لتطلق الكرة في المكان "السحري” لتهتز الشباك، ومعها اهتزت المدرجات، انطلقت سارة رافعة يدها للسماء، وعلى وجهها ارتسمت فرحة لا مثيل لها، تحلقت حولها كل الزميلات من داخل الملعب أو من على دكة البدلاء للاحتفال بالحدث الفريد.
انتظر الأردنيون قرابة ثلاثة أعوام من التحضيرات لدخول التاريخ باستضافة أول بطولة عالمية من تنظيم "الفيفا” وتحقيق الظهور الأول لمنتخب نسوي أردني على الساحة العالمية، ولكي يكتمل الاحتفال كان لابد من شيء فريد يحصل فوق أرضية المنافسات من أجل أن يدوّن رسميا في سجلات الكأس العالمية، ضاعت الفرصة الأولى في مواجهة الافتتاح وانتظروا حتى موعد المباراة الثانية أمام المكسيك، وللمصادفة من أهدرت تلك الفرصة كانت هي ذاتها صاحبة الحدث التاريخي.
لم تكتمل الفرحة، فقد خسر الأردن اللقاء وأصبح رسميا خارج إطار المنافسة في كأس العالم للسيدات تحت 17 عاما "الأردن 2016”، ذرفت اللاعبات الدموع في الطريق نحو غرف تبديل الملابس، ورغم ذلك فقد حصلن على تصفيقات حارة من الجماهير، بعد ذلك خيّم الصمت المطبق حزنا على ما آلت إليه النتيجة.
غادرن إلى الحافلة وعلامات الأسى بادية على الوجوه.. كانت سارة آخرهن، تحمل الهاتف وتتحدث باللغة الألمانية مع والدتها التي لم تستطع القدوم لمؤازرتها مع الوالد الذي تواجد فوق المدرجات، اعتذرت من الوالدة وأنهت المكالمة لتتوقف من أجل حديث حصري إلى FIFA.com، عندها استجمعت قوتها وأظهرت رباطة جأش قد تحسد عليها هذه الفتاة التي لم تبلغ بعد السابعة عشر ربيعا، لتقول "سيعني هذا الهدف الكثير لي في مسيرتي، فهو الأول في تاريخ كرة القدم النسوية على الصعيد العالمي، بالتأكيد أنا فخورة بما حققته اليوم”، قبل أن تضيف "الحقيقة لم يتبادر هذا في ذهني للوهلة الأولى، عندما حصلت على الكرة من روزبهان قررت أن أذهب للمرمى، لم يكن هناك الوقت للتردد ولذلك سددت بالقدم اليسرى. عندما اهتزت الشباك شعرت بسعادة كبيرة، شعرت وكأن جبلا كبيرا قد زال عن كاهلي، لقد كانت تلك الفرصة الضائعة أمام إسبانيا تؤرقني حقا”.
نظرة للمستقبل
أخذت لاعبة باير ليفركوزن الألماني للشابات تحت 17 عاما والتي ترقت مؤخرا للفريق الأول في النادي، أخذت تنظر للأمور باحترافية عالية "ماذا يمكنني القول، سنعود الآن للفندق، ربما سنذرف المزيد من الدموع في الحافلة ولكن غدا علينا أن ننهض من جديد، لدينا مواجهة ثالثة علينا أن نحقق فيها الفوز. نريد أن نبذل الغالي والنفيس لكي ننهي البطولة بشكل أفضل”.
ذهبت سارة لأبعد من المباراة الثالثة وهذه البطولة ككل "الآن لا يجب أن نتراجع، لقد بدأنا المنافسة على المستوى العالمي، ولكي تحقق النتائج الجيدة عليك أن تواصل العمل من دون كلل أو ملل، هذا الفريق يجب أن يستمر في التطور حتى نرفع اسم البلاد في المستقبل. هدفنا التالي سيكون التأهل لكأس العالم تحت 20 سنة بعد عامين. لقد وجدنا دعما هائلا من سمو الأمير علي بن الحسين وأنا واثقة أنه سيرعى هذا الجيل من اللاعبات لكي يواصل الطريق ويأخذ مشعل كرة القدم النسوية الأردنية”.
سلطت الأضواء على أبو صباح التي اكتسبت شهرة واسعة في الأردن بعد أن ذاع صيت أهدافها مع ليفركوزن؛ حيث أسهمت بفوزه بكأس ألمانيا لإقليم الوسط تحت 17 عاما، كما شاركت في تسلق النادي ترتيب الدوري من التاسع وحصلت على تكريم لائق وتم التوقيع معها لتشارك مع الفريق الأول في دوري أليانز الألماني للسيدات لتصبح اللاعبة العربية الأولى التي تنشط هناك "كان موسما رائعا مع ليفركوزن، أتطور باستمرار في التدريبات وخوض المباريات. نتعلم احترافية الكرة بأن ننظر للمستقبل محاولين تدارك الأخطاء السابقة. جئت إلى المنتخب منذ عام وأعتقد أنني بحاجة وبقية اللاعبات للبقاء على تواصل في المباريات والمعسكرات لندخل تصفيات آسيا (تحت 19 عاما) ونحقق التأهل ثم المنا
سة على المراكز الأولى لبلوغ كأس العالم للسيدات تحت 20 عاما، قد يبدو الطريق صعبا لكن لا مستحيل في كرة القدم”.
وتضيف: "أدرك أن هناك بعض الضغوطات التي ألقيت عليّ لكني وجدت مساندة هائلة من جميع أفراد الفريق، بعد مواجهة أسبانيا شدوا من أزري وطالبوني بالتركيز على تسجيل الفرص المقبلة، وها أنا اليوم قد حققت هدفي، أتمنى التسجيل في مرمى نيوزيلندا وما يزال هناك الكثير أمامي”.
تأمل سارة أن تمضي على طريق نجمتها المفضلة لاعبة المنتخب الألماني ميلاني ليوبولز التي ظهرت للمرة الأولى في نسخة 2010 من هذه البطولة، قبل أن تواصل مسيرتها وتشارك في كأس العالم للسيدات 2015 وتتوج هذا العام بالذهب الأولمبي في ريو 2016؛ حيث تقول "أتمنى أن أسير على درب هذه اللاعبة، فهي تملك موهبة هجومية كبيرة، تسجل الأهداف بكلتا القدمين، ورغم نجوميتها فهي متواضعة للغاية، أعتقد أن هدفي اليوم يشبه كثيراً أحد أهدافها الجميلة”.
أيّا كانت نتائج الأردن في هذه البطولة، لكنه تحصل بتأكيد الكثير من الفوائد الفنية والمعنوية، يمكننا القول إنه استهل حقا خطوته الأولى في رحلة الألف ميل.