هل تذكرون الشابة الحامل التي قتلها زوجها؟ آخر تفاصيل قضيتها ..
لم يمرّ إخلاء سبيل محمد منذر، المتهم بقتل زوجته، أول من أمس مرور الكرام. استقبلته عائلته استقبال الابطال، وسط زخّات الرصاص المبتهج، على بعد أمتار من عائلة الضحية، ما تسبّب بسقوط جريحين من اقارب الزوجة المغدورة، كما لم يخل الأمر من تساؤلات عن سبب قرار إخلاء السبيل، بكفالة مالية، في ظلّ تناقض لافت في مضبطة الاتهام.
-راجانا حمية-
هل تذكرون الرجل الذي انتظر أن تلفظ زوجته أنفاسها الأخيرة قبل أن يطلب المساعدة لها؟ هل تذكرون الزوجة الشابة التي قتلها زوجها، وهي راكعة أمام غرفة نوم أطفالها؟ هل تذكرون أنّها عندما قُتلت كانت تحمل جنيناً في بطنها؟ لمن لا يذكر وجه الشابة العشرينية التي قتلها زوجها بدمٍ بارد، فهي رقيّة منذر التي «قتلت مرّة أخرى، أمس، عندما خرج زوجها محمّد منذر، المتهم بالقتل المتعمّد في القرار الظني الصادر في حزيران من العام الماضي، بكفالة مالية قدرها 20 مليون ليرة لبنانية».
هذا ما يقوله والد الضحيّة أسعد منذر لـ«الأخبار». الأب الذي أنهكه خروج «القاتل ورصاص الإبتهاج به، أكثر من موت ابنتي».
أمس، خرج «الزوج» خروج الأبطال. مرّ من أمام منزل عائلة رقية، محمولاً على أكتاف أبناء «العائلة الكبيرة»، التي تنتمي لها الضحية أيضاً، وسط «عاصفة» من الرصاص المبتهج بخروجه، ما تسبّب بإصابة وائل منذر، قريب رقيّة، وجدّتها ايضا.
هذه العائلة، التي حملت محمّد، هي نفسها التي ضغطت حتى آخر لحظة على والد الضحية، أسعد منذر، من أجل إسقاط الدعوى، للملمة «الجرصة»، مروّجة لفرضية أنّ رقيّة انتحرت. ولمّا لم تفلح، رسمت حدوداً مع الوالد المفجوع بابنته، وتركته وحده أمام القضاء.
اليوم بعد ساعاتٍ من قرار الهيئة الإتّهامية في جبل لبنان القاضي بإخلاء سبيل المدّعى عليه محمد حسن منذر بـ«كفالة مالية ضامنة»، يرى الوالد نفسه مضطرّاً «لأخذ الحقّ بيدنا»، مشيراً إلى أن «وائل منذر، المصاب بطلقٍ ناري في يده، يرفض تقديم شكوى»، مردفاً «يمكن بدّو ياخد حقّو بإيدو». أما جدّة رقية، فقد أدلت «بشهادتها في المخفر، وأشارت فيها إلى أنها رأت خمسة أشخاص يطلقون النار، وكأنهم يصوّبونها على أحد، ولكنها لم تعرفهم لذلك سجّلت الشكوى ضد مجهولين».
عائلة رقيّة تسرد ملاحظات كثيرة على قرار الهيئة الإتهامية، اولها انه «الملتبس»، وثانيها «الإستثناء الذي حصل في قضيّة منذر، مقارنة بقضايا مدانين آخرين بالقتل، ويمكن إيراد محمد النحيلي، زوج القتيلة منال العاصي، كنموذج»، يقول محامي العائلة، سمير عبدالله.
في الـ«أولاً»، يستغرب عبدالله كيف حملت الهيئة في قرارها «النقيضين»، إذ من جهة «صدرت مضبطة إتّهام بحق محمد حسن منذر سنداً للمادة 547 عقوبات (التي تنصّ على أنّ من قتل إنساناً قصداً عوقب بالأشغال الشاقة من 15 إلى 20 سنة)، وأصدرت مذكرة إلقاء قبض بحقّه وسوقه إلى محكمة الجنايات والظن به أيضاً سنداً للمادة 72 أسلحة»، فيما قرّرت من جهة أخرى «إخلاء سبيله مقابل كفالة مالية ضامنة بقيمة 20 مليون ليرة لبنانية (...) مع إيداع الملف النيابة العامة لإحالته إلى مرجعه». وهو ما يرد في مضبطة الإتهام التي حصلت «الأخبار» على نسخة منها.
إذاً، وبما أن الهيئة الاتهامية «ثبتّت التهمة التي خرج بها القرار الظني، كان بالإمكان إبقاؤه موقوفاً طالما أنها حوّلته إلى محكمة الجنايات»، يقول عبدالله، الذي يشغل باله هاجس ذو شقين، أوّلهما «أنه يمكن للقاتل أن يتوارى عن الأنظار وتجري محاكمته غيابياً، وهذا ما لا ينفع»، وثانيهما أنه «يستطيع التخلّف عن حضور المحاكمات بأعذار قانونية أو طبية، وعندما تمتد المحاكمات إلى ما نهاية، تصبح المحاكمة بلا قيمة، فمن سيذكر عندها لم كان يحاكم؟»، يقول عبدالله.
بعيداً عن الرأي القانوني، ثمة ما يجب سرده هنا عن حالات قتل أزواج لزوجاتهم تشبه إلى حدٍ كبير حالة منذر القانونية.
ولنأخذ ملفّ محمّد النحيلي الذي قتل زوجته منال العاصي. هذا الرجل لا يزال موقوفاً حتى هذه اللحظة، كونه يحاكم أمام محكمة الجنايات في بيروت. كان يمكن للهيئة الإتهامية التي درست ملفّه وأحالته إلى محكمة الجنايات بتهمة القتل أن تخلي سبيله مقابل بدلٍ مادي، ولكنها لم تفعل. تركته «عبرة لغيره»، على حدّ قول أحد الناشطين المتابعين للملف. فما الذي يعنيه هذا الإستثناء؟
يتحدّث البعض، من عائلة الضحية وبعض الناشطين المتابعين للقضية، عن حصول ضغوط على الهيئة دفعتها إلى هذا الأمر.
ويمكن أن يكون ذلك صحيحاً، إذا ما استندنا إلى مضبطة الإتهام التي سردت «شهادات الزوج المُدان وشهود العيان والجيران وشقيقة المغدورة رقية»، والتي كانت في مجملها تركّز على «فرضية الإنتحار». فمثلاً، في شهادة زينة منذر، تقول الأخيرة «أنها شاهدت شقيقتها مريانة وأعلمتها أن شقيقتها رقية قتلت نفسها»، وهو ما تنفيه زينة ووالدها، «إذ لم تصرّح بهذا مطلقاً». وبالنسبة إلى الشهود، كانت غالبية «الإقتباسات»، تشدّد على «سماع الزوج بعد حادثة القول يصرخ قائلاً: زوجتي قتلت نفسها». وفي سرد الحادثة، تسرد الهيئة الرواية «كما حدثت على لسان الزوج»، بإفادات متضاربة، فتارة يقول «دخلت عند الحادية عشرة ليلاً وقد أحضرت طعام العشاء وأعطيت زوجتي المسدّس كي تضعه في خزانة غرفة النوم واستلقيت قليلاً ثم سمعت طلقاً نارياً فاستفقت مذعوراً ورأيت رقية ممدّدة في المطبخ والدماء تسيل منها (...) لا أعرف إن كانت تعرف تلقيم المسدّس ولكنها تراني أفكّه عندما أنظّفه».
وتارة أخرى يقول المتهم: «دخلت رقية الصالون وأخذت المسدس لا أعرف إلى أين، ودخلت لتعدّ طعام العشاء، وبينما أنا مستلق سمعت فقعة فدخلت مذعوراً ووجدت زوجتي ممددة...». وثمة رواية ثالثة ورابعة ايضاً، توردها الهيئة على لسان المدعى عليه، إضافة إلى إفادات لشهود عيان، وتقرير الطبيب الشرعي والأدلة الجنائية.
بعض تلك المعطيات يرد للمرة الأولى، اذ لم تكن موجودة في نص القرار الظني، الذي كانت «الأخبار» قد حصلت عليه، وهذه المعطيات المستجدة هدفها ابقاء فرضية أن «رقية قتلت نفسها»، وهو ما لمّحت إليه الهيئة.
وهذه الأخيرة، أصدرت مضبطة إتّهام بالأكثرية بعدما تبيّن «أنّ المدّعى عليه قام بإطلاق النار على زوجته قصداً من مسدّسه الحربي غير المرخّص (...)»، إلا أن رئيس الهيئة القاضي عفيف الحكيم خالف القرار، ووضع ملاحظة لفت فيها إلى أنّ المسألة المثارة تضعنا أما السؤال «هل أقدم المدّعى عليه على قتل زوجته وفقاً للقرائن المشار إليها؟ أم هي من أقدمت على إطلاق النار على نفسها لترتاح من مظالم نتيجة ارتباطها بالمدعى عليه؟».
ولم يكتف حكيم بهذا السؤال، بل ختم ملاحظته بعد سردٍ طويل بالقول «(...) وفقاً لما ورد في تقرير مكتب المختبرات الجنائية (...) يعني أن رقية منذر هي من قامت بتلقيم المسدّس مرتين (...) وحيث أنه على ضوء ما تقدّم لا يتبيّن أن المدعى عليه هو من قام بإطلاق النار على زوجته بل هي من أطلقت النار على نفسها (...)».
هذا الأمر وضع المتابعين للقضية أمام سؤال رئيس: هل ثمّة من مارس ضغطاً على القضاء «ففعل ما يرضي الطرفين، أرضى عائلة رقية وعائلة المدعى عليه». اذا كان ذلك صحيحاً، فهو يعني أنّ القضاء صار يشبه عائلة منذر نفسها التي تحاول لملمة «الجرصة».