جراءة نيوز - اخبار الاردن -
اتخذ الأصدقاء الأربعة المغتربون قرارًا لم يكن بحسبانهم من قبل، بتأجيل أخر فصل دراسي لهم في الجامعة، والسفر لقضاء شهر رمضان المبارك بين ذويهم، دون أن يعلموا أنهم لن يصلوا إليهم للأبد.
فلم يشأ "خالد وأنس وسلمان ومحمود" وهم فلسطينيون أصلهم من قطاع غزة، أن يقضوا الشهر الفضيل للعام الرابع في الغربة، ومن شدة شوقهم لأجوائه بين أهلهم، قرروا تأجيل فصل تخرجهم من جامعة "الإسراء"، والعودة إلى مدينة جدة السعودية، حيث تعيش عائلاتهم.
ولكن القضاء كان أسرع إلى الأصدقاء الأربعة، ففي منطقة حائل، في طريقهم من الأردن إلى جدة، انفجرت السيارة التي كانت تقلهم، بسبب تسرب البنزين، ليلقوا حتفهم في هذا الحادث، الذي كان فاجعة لذويهم.
حادثة مفجعة، جاءت لتسطر من جديد قصة نجاح ومأساة عنوانها إنسان فلسطيني، بدايتها سعيدة ونهايتها مؤلمة.
لهفة اللقاء وألم الوداع
وتحوّلت لهفة اللقاء بهذا الحاث إلى حرقة الفراق قبل اللقاء، بعدما فتحت بيوت الطلاب الأربعة وجميعهم يبلغون (22 عاما) من العمر، بيوت العزاء بوداعهم.
"أنس فوّاز البريم، خالد عادل بركة، وسلمان عادل أبو شاب، ومحمود فتوح"، غادروا جدة معًا عام 2011 إلى الأردن، وعاشوا الغربة مع بعضهم في نفس الشقة، كما درسوا ذات التخصص الجامعي، ليلقوا ذات المصير أيضًا.
ولم تتحمل والدة الطالب أنس فوّاز البريم صدمتها بوفاة ابنها، فغابت عن الوعي، فيما انهارت شقيقتها "وهي والدة خالد بركة"، لتدوي صرخاتها، وهي تترجى من حولها بأن يتراجعوا عن إعلان نبأ وفاة ابنها وابن أختها.
ويقول هشام بركة، ابن عم الطالب خالد "الحادث صدمة، لا أحد يقوى على تصديقه حتى الأن، خاصة الأمهات، لأن الجميع كان ينتظر وصولهم إلى جدة، والاحتفال معهم بشهر رمضان".
ويضيف في حديثه لوكالة صفـا "الفاجعة صارت فاجعتين عند أهل خالد وأنس، لأنهما أبناء خالات، وكانا دومًا كالإخوة مثلهم مثل أمهاتهم".
ويتابع "أم خالد لا تعي الصدمة أبدًا، وأختها أم أنس غابت عن وعيها بمجرد سماعها لخبر الحادث، ونقلوها إلى المستشفى، ولم تعي شيئًا حتى الأن".
وأجرى الطالب بركة مكالمة فيديو مع ذويه قبل ليلة السفر، استحضروا فيها أجمل الأيام والأجواء الرمضانية التي سيعيدون إحياءها حينما يصل إليهم، غير عالمين بأنها اللحظات الأخيرة لهم ولخالد، قبل الفراق.
ولكن الحادث دفن أي أجواء فرح من الممكن أن تدخل على بيت العائلة بقدوم الشهر الفضيل، لأنها "ستزوره في المقبرة، بدلاً من أن كان سيزورها حيًا"، كما يعبّر ابن العم بصوت مهتز.
وستوارى جثامين الطلاب الأربعة الثرى مساء اليوم في مدينة حائل بالمملكة السعودية، ويفيد ابن عم الطالب بركة، أن تفحّم جثثهم بفعل الحريق أخّر من نتائج فحص الطب الشرعي، وبالتالي تأخر دفنهم.
وفيما لم تسعف الصدمة أمهات الطلاب الأربعة مشاهدة الصور التي نقلتها وسائل الإعلام للسيارة وقد تفحّمت وبداخلها جثث أبنائهّن، صُدم أشقاء وأصدقاء وأقارب الطلاب من هوّل المشهد.
لم يفترقوا حتى بموتهم
ودرس الطلاب الأربعة تخصص "تأهيل شبكات الكمبيوتر" في الجامعة الأردنية، وهي ذات الجامعة التي كان يدرس فيها 3 طلاب غزيين أخرين، لقوا مصرعهم في حادث مشابه قبل عامين.
ويقول ابن عمة الطالب سلمان "لم يفترقوا يومًا من الأيام، من صغرهم، وفي المدارس، وحتى حينما اختاروا أن يدرسوا، درسوا نفس التخصص، وفي نفس الجامعة، فسافروا مع بعضهم".
ويسرد بحرقة شديدة في حديث مقتضب، لوكالة صفـا "من كان يصدق أن هذا الحب والإخوة والجمعة، ستنتهي بفراق جماعي أيضًا، الأمر مفجع ومفجع جدًا".
"ولا نملك أمام قدر الله، إلا أن ندعو لسلمان وإخوته بالرحمة، فيارب كما كانوا سعداء مع بعضهم في الدنيا، نوّر قبورهم واجعلها من رياض الجنة، وأسعدهم في الأخرة"، عبارة تكررت في حسابات معظم أصدقاء وأقارب الطلاب الأربعة.
واستحضر الحادث المؤلم، حادثة أخرى أوجعت قلوب عائلة بركة في غزة والشتات، وقعت في الـ22 من شهر ديسمبر عام 2013، كان ضحيتها 3 طلاب من غزة، بينهم الطالب عُدي بركة (19 عاما).
وتوفي في ذلك العام عبد الله مطر ومجدي الشنطي، بالإضافة إلى عُدي، حينما كانوا نائمين في شقتهما المقابلة لجامعة "الإسراء" الأردنية التي كانوا يدرسون بها، حين تسرب الغاز من سخان الماء، وأدى إلى وفاتهم.
وتناول أقارب الطلاب الأربعة على صفحاتهم عبر "فيسبوك" هذه الحوادث المشابهة، بكثير من الحسرة والدعاء، بأن يصبّر الله ذوي هؤلاء الطلاب، وأن يكونوا في عليين مع الشهداء، لكونهم ممن "خرجوا في سبيل الله".