جراءة نيوز - اخبار الاردن -
روي جلالة الملك في كتابه “فرصتنا الأخيرة” تفاصيل محاولة الملحق العسكري العراقي في السفارة العراقية في عمان تسميم مخازن المياة بالزرقاء.. فيقول جلالته:
ما كاد الفجر يبزغ على بغداد في العشرين من اذار من العام 2003 حتى انهالت صواريخ “توماهوك” الامريكية على ملجأ حصين كان يظن ان صدام كان مختبئاً فيه، وفي وقت لاحق من ذلك اليوم حوالي الساعة الثامنة مساء انطلق الهجوم البري وزحفت الدبابات الامريكية والبريطانية انطلاقاً من الكويت باتجاه البصرة وبغداد.
اعربتُ عن مشاعري الحقيقية لكن الحرب قد اندلعت وكانت يداي مقيدتين ولا حيلة لي في وقف تلك العاصفة المجنونة، ولم يعد امامي سوى الاعتماد على الحس السليم لديّ بأن ما أفعله هو الأفضل بالنسبة الى الاردن والاردنيين.
ومع ان النزاع كان يبعد مئات الاميال عن الاردن لم يمضي وقت طويل حتى شعرنا بارتجاجاته داخل البلد، ففيما كنت في منزلي اشاهد الاخبار على شاشة التلفزة وكان على الخط سعد خير رئيس دائرة المخابرات العامة، الذي انتقل الى رحمته تعالى في العام 2009، “لقد كشفنا خطة عراقية لتسميم مخازن المياة في الزرقاء ومواقع اخرى” قال، ثم اضاف “الرأس المنفذ هو الملحق العسكري في السفارة العراقية وهو ينوي التنفيذ قريباً, ماذا تريدنا ان نفعل”.
تسميم الخزين المائي لو تم لسقط نتيجته مئات الضحايا من الاردنيين الابرياء، وربما الآف، ولكن التعامل مع مؤامرة كهذه ليس عملية سهلة. رجال صدام الذين ينتمون الى البعثة الدبلوماسية في عمان هم دبلوماسيون يتمتعون بالحصانة، وتوقيفهم قد يؤدي الى مشكلة دولية، تفحصت الدلائل الحسية المتوافرة فتبين لي ان صدقيتها لا تسمح بان نقف متفرجين دون اتخاذ الاجراءات اللازمة لحماية مواطنينا.
قلتُ لسعد “اذا كنا امام خطر يهدد حياة الاردنيين، فلننس الحصانة الدبلوماسية الآن، اذهبوا واوقفوهم في الحال، اقتحم رجال المخابرات منازل الدبلوماسيين العراقيين وقبضوا على الملحق العسكري واثنين من معاونيه.. وما أن ذاع الخبر حتى ارتفعت صرخة احتجاج من الراي العام الذي كان يجهل ما اكتشفناه من ادلة على ما كان النظام العراقي يخطط للقيام به، وخرجت انتقادات كثيرة وقال اصحابها ” كيف لكم ان تقتحموا املاك السفارة وتعتقلوا دبلوماسين عراقيين؟ كان جوابي لهؤلاء.. ثقوا بما اقول لكم، وبأن ما فعلناه مبني على معلومات صحيحة وان ارواحا أردنية كانت مهددة”.
صباح اليوم التالي جاء السفير العراقي لمقابلتي وكان يستشيط غضبا قال “لديّ رسالة من صدام، انه في غاية الغضب نتيجة عملكم هذا”.
اجبت السفير “انا على كامل الاستعداد لأن أخرج الى العلن واقول انني اوقفت هؤلاء الرجال الثلاثة لانهم كانوا يتأمرون لقتل مئات الاردنيين وربما الالآف منهم. لكنني اتطلع الى ما بعد الحرب سعادة السفير ولا أريد اقول كلاما من شأنه تدمير العلاقة الاحوية بين الشعبين العراقي والأردني، ولذلك ارجو ان تنقل هذه الرسالى الى صدام، اذا كانت هذه هي الطريقة التي تريدونها للتعامل مع الموضوع، فإنني سأكشف للعلن كيف يحاول نظامك ان يقتل المدنيين الاردنيين”. عاد اليّ السفير -وهذه شهادة له- واكد لي انه ابلغ صدام برسالتي وان “المشكلة باتت منتهية”.
كان السفير قد ابلغ وزارة الخارجية في بلاده انهم قاموا بعمل اخرق، واننا في الاردن مستعدون لنشر الخبر علناً مما سيسبب اشكالا على الصعيد الدولي اذا هم اختاروا الاستمرار في اثارة المسالة، وهكذا انطفأ الموضوع فطردنا الرجال الثلاثة وتوقف سيل الاتهامات باتجاهنا في المرحلة كانت لديهم مشاغل اخرى اكثر الحاحاً.