ما المسافة التي يمكن للطائرة أن تقطعها بمحرك واحد؟

هناك بعض الأشخاص، قبل رحلاتهم الجوية، يعيشون حالة من الخوف والفزع، بعد وضعهم احتمالات سقوط الطائرة أثناء طيرانها، بعد تعرض أحد محركاتها إلى عطل في منتصف الطريق.

إلا أن احتمالية سقوط الطائرات بهذه الطريقة ليست كبيرة، وذلك لأنها مصممة من أجل التمكن من الطيران لمسافات طويلة، بمحرك واحد فقط، مما يحفظ سلامة طاقم الطائرة، والركاب، إلى حين الهبوط بسلام.

إذ إن كل طراز من الطائرات له تصنيف "إيتابس" ETOPS (أي معيار التشغيل الثنائي الموسع المدى) الخاص به، والذي يحدد أبعد مسافة يمكن للطائرة أن تحلق فيها بمحرك واحد فقط.

وبطبيعة الحال يكون الطيارون على دراية بهذا المعيار، مما يمكنهم من تحديد أقرب مكان آمن ضمن حدود إيتابس، في حال حدوث أي مشكلة في أحد المحركات، حيث يُتاح لهم التواصل اللاسلكي من أجل الهبوط الاضطراري.

طائرات بمحرك واحد تحلق حوالي 5 ساعات!
في أوائل التسعينيات، كانت الطائرة "بوينغ 777" تعتبر الوحيدة القادرة على التحليق بمحرك واحد، وذلك لمدة 180 دقيقة، وهو أطول مدى كانت تبلغه الطائرات ضمن تصنيف إيتابس آنذاك.

وبعد أن أصبحت الطائرات تقطع مسافات طويلة جداً فوق المسطحات المائية، من بحار ومحيطات، أصبح من الضروري جعل الطائرات تتمكن من التحليق لمسافات أطول بكثير بمحرك واحد فقط، في حال تعرض المحرك الأول لعطل.

ففي سنة 2003، برهنت نسخة أخرى من طائرة "بوينغ 777" على تفوقها خلال رحلة تجريبية من مدينة سياتل الأمريكية إلى تايبيه التايوانية، بعد أن حلقت لأزيد من 5 ساعات بمحرك واحد فقط، ووصلت بأمان إلى وجهتها.

في الوقت الذي كان من المفترض أن تحلق لمدة لا تتعدى 220 دقيقة، لكنها تمكنت من تجاوز هذه المدة بمقدار 80 دقيقة.

وبعد ذلك تمكنت عدة شركات خاصة بصناعة الطائرات من تطوير طائرات يمكنها التحليق لمسافات أطول بمحرك واحد، أبرزها طائرة "إيرباص 350-900"، التي نالت اعتماد الطيران مدةً تصل إلى 370 دقيقة باستخدام محرك واحد فقط.

فيما تستطيع هذه الطائرة التحليق لمسافة قد تصل إلى أزيد من 46 ألف كيلومتر دون حدوث أي مشاكل خاصة بالمحرك الوحيد الذي يعمل، وهي المسافة التي تقدر من لندن إلى القاهرة على سبيل المثال.

ومن بين طرق الاحتياطات التي يتم اتباعها عندما يتعطل أحد محركات الطائرة، هو طيرانها في مسارات تتضمن مطارات متاحة، ما يعني أن الطائرة دائماً أمامها مطارات متاحة من أجل الهبوط بأمان.

ماذا يحدث في حال تعطل محركي الطائرة معاً؟
بالرغم من أن كل من في الطائرة يكون في أمان في حال تعطل أحد محركاتها، إلا أن هناك بعض الحالات النادرة التي يتعطل فيها محركا الطائرة معاً، الأمر الذي يجعل خطر سقوطها ووقوع كارثة كبيرة.

إلا أن الشركات المصنعة للطائرة فكرت في هذه الاحتمالية كذلك، من خلال تطوير تصميم يساعد في هبوط الطائرة بسلام، عن طريق تقنية تسمى "الهبوط الشراعي"، والذي يمنع السقوط بشكل مباشر من ارتفاع السماء نحو الأرض.

وهذه التقنية تمنح الطيارين بعض الوقت للبحث عن أفضل الوسائل للهبوط وتجنب أي نوع من الخسائر البشرية.

إذ إنه إذا كانت الطائرة على ارتفاع يقارب 11 متراً فوق سطح الأرض، فهذا يمنح ربان الطائرة مدة تعادل 30 دقيقة للعثور على مكان مناسب للهبوط.

وتعادل هذه المسافة رحلة كاملة بين جزيرة كناريا الكبرى إلى جزيرة تنريف الواقعتين ضمن "جزر الخالدات" في إسبانيا.

طيارون تمكنوا من الهبوط بسلام رغم تعطل المحركين
هناك العديد من الأمثلة التي تبرز كيف استطاع طيارون الهبوط بنجاح وسلام بعد تعطل مُحركي الطائرة، خلال رحلاتهم الطويلة التي كانت عادة ما تستغرق عدة ساعات.

ومن أشهر هذه الأمثلة رحلة الخطوط الجوية الأمريكية المعروفة برقم 1459، التي عرفت من خلال فيلم "Sully"، بطولة الممثل الأمريكي توم هانكس.

إذ تمكن الطيار من الهبوط بطائرته بأمان في نهر هدسون في نيويورك، بعد أن اصطدمت طائرته بسرب من الطيور، مما أدى إلى تعطل محركين معاً بعد الإقلاع. وقد نجا من الحادث جميع من كانوا على متن الطائرة، الذين بلغ عددهم 155 شخصاً.

فيما هناك أمثلة أخرى تبرز كيف استطاع الطيارون من النزول بسلام وبدون خسائر، بعد تعطل المحركين، نذكر منها الرحلة رقم 236 لخط طيران "ترانسات" الكندي، من تورنتو إلى لشبونة.

إذ تعطل محرِّكا الطائرة على بعد يصل إلى 120 كيلومتراً بحرياً من قاعدة لاغيس الجوية في جزر الأزور البرتغالية. وتمكن الطيار من تنفيذ عملية الهبوط الشراعي، ليهبط بنجاح بعد 17 دقيقة من تعطل المحرك الثاني.

اضطر طيارون آخرون إلى الهبوط بطائرات أصغر حجماً وتنفيذ عمليات هبوط صعبة بعد أن واجهت طائراتهم مشكلات أثناء التحليق، من بينهم الطيار هوي غيدري الذي كان يحلق بطائرته ذات المحرك الواحد في أول رحلة لها بعد الفحص السنوي، فتعطَّل محركها فوق منطقة سكنية بولاية لويزيانا، لكنه استطاع الهبوط بسلام.