مخيم الزعتري "الضرب التأديبي" يودي بحياة طفل مجددا
فيما تتوالى مطالبات خبراء في حقوق الطفل، بضرورة الغاء المادة 62 من قانون العقوبات، التي تبيح الضرب التأديبي للأطفال، وأهمية تشديد العقوبة في قضايا ضرب الأطفال المفضي إلى الموت، لقي طفل، لم يتجاوز عامه التاسع، مصرعه نهاية العام الماضي، على يد والده، بعد أن 'انهال عليه بالضرب لأخذه بضعة دنانير من والده دون اعلامه'.
وقال مصدر أمني إن 'طفلا في مخيم الزعتري توفي في 23 من الشهر الماضي، على يد والده، نتيجة لتعرضه للضرب المبرح، إذ توزعت الضربات على كافة انحاء جسد الطفل، الرأس، الوجه، البطن واليدين والقدمين'.
وبرر الاب جريمته بحق ابنه، برغبته بتعديل سلوكه، بعد ان أخذ مبالغ مالية من الاب بشكل مستمر دون اعلامه، لافتا إلى انه لم يتوقع أن يؤدي الضرب إلى وفاة الطفل، 'خصوصا أن الوفاة أتت بعد يوم من الحادثة'.
وكان الاب، بحسب المصدر الأمني، قد عرض على ابنه نقله إلى عيادات 'العون الطبي' في المخيم، لتلقي العلاج، بعد ان لاحظ تغييرا في ملامح ابنه، لكن الطفل رفض العلاج، وفي اليوم التالي ساءت الحالة الصحية له ما دفع بالأب لنقل ابنه لعيادات العون الطبي، لكنه وصلها متوفى.
وتتشابه قصة طفل الزعتري، مع قضية الطفلة حسناء، التي لقيت حتفها ضربا على يد والدها، في منطقة الضليل بمحافظة الزرقاء العام 2014، بعد ان اتهمتها معلمة بالمدرسة بسرقة مبلغ مالي، لم يتجاوز 5 دنانير.
وكان العام 2015 شهد كذلك مقتل طفلة (بيان)، البالغة من العمر 15 عاما، على يد والدها، بعد ان اشتكت مديرة المدرسة من سلوك الطفلة، إلى جانب قضية الطفلة نورا، ذات العامين ونصف، والتي لقيت حتفها على يد والدها نتيجة للضرب المبرح، حيث برر الاب ضربه لها، بـ'محاولة ايقافها عن البكاء المستمر'!.
اختصاصية الطب الشرعي في إدارة حماية الأسرة الدكتورة اسراء الطوالبة ترى ان استخدام الضرب والضرب المبرح ضد الأطفال 'ما يزال من السلوكيات السلبية الرائجة، والتي تشكل خطورة عالية على الأطفال، سواء من الناحية الصحية أو النفسية أو الاجتماعية'.
وتقول: 'يبرر مقدمو الرعاية السلوك العنيف تجاه اطفالهم، برغبتهم بتعديل السلوك السلبي لديهم، وفي حالات أخرى يكون المبرر شعور الاهل بالتعب من بكاء اطفالهم المستمر'.
وتبين الطوالبة ان ذلك يوضح اتساع عدم المعرفة بالتعامل مع الأطفال، 'فالطفل الرضيع عند بكائه هو مؤشر على حاجة الطفل لامر ما، كالجوع، البرد، المرض، بالتالي لا يمكن ان يكون الضرب وسيلة لثنيه عن البكاء'.
وتستذكر الطوالبة حالة الطفلة نورا، ذات العامين ونصف، وتقول: 'برر الاب قتله لطفلته ببكائها المستمر، واقع الحال ان الطفلة كانت تعاني من سوء تغذية وجفاف، إلى جانب معاناتها من كسر في اليد، غير معالج، عمره نحو 3 أسابيع، البكاء كان وسيلة الطفلة الوحيدة للتعبير عن الالم، لكن بدلا من ان تتلقى العلاج اختار الاب انهاء حياتها'.
'غالبية حالات العنف الجسدي ضد الاطفال، التي تعاملت معها، تتعلق بالعنف من قبل زوجة الاب، ثم الاب، وبالدرجة الاقل الام' تقول الطوالبة، وتوضح 'ليست كل الحالات التي تصل لنا مميتة، لكن نسبة كبيرة منها قاسية جدا، غير إنسانية، وتشكل انتهاكا كبيرا لحقوق الطفل'.
وتلفت إلى التبعات التي تطال الأطفال جراء العنف الجسدي، ابرزها الآثار المتعلقة بالصحة الجسدية، كامكانية ان يتعرض الطفل إلى عاهة مستديمة، أو ان يؤثر الضرب على حواسه، إلى جانب الآثار النفسية والاجتماعية، التي ستنعكس على الطفل مستقبلا.
وتوضح الطوالبة أن ضرب الأطفال 'يساهم بشكل كبير في انتاج اجيال من الشباب، لا يؤمن بالتفكير والحوار، جيل عنيف يرى في العنف والضرب الوسيلة الوحيدة لحل المشكلات'.
كما تنبه إلى امكانية أن يتولد لدى الطفل الرغبة الانتقامية، بأن ينتقم من المسيء له، ولو بعد حين، وتلفت، في هذا السياق إلى حالات تم تداول اخبارها مؤخرا، لمراهقين أو شباب في العشرينات من اعمارهم، أقدموا على قتل أبائهم، بذريعة الرغبة بالانتقام من عنف سابق.
وتشدد الطوالبة على أهمية اعطاء دورات تدريبية للمقبلين على الزواج، حول اسس الوالدية الصالحية، وبناء علاقة صحية بين الزوجين، وتعزيز برامج الارشاد الأسري للحد من هذا النوع من المشاكل.
وتجدد جرائم القتل ضد أطفال، التي سجلت مؤخرا، الحاجة لاعادة النظر بالمواد القانونية، التي تبيح العنف ضد الأطفال، تحديدا المادة 62 من قانون العقوبات، والتي تنص على انه 'يجيز القانون أنواع التأديب التي يوقعها الوالدان بأولادهم، على نحو لا يسبب إيذاءً أو ضرراً لهم، ووفق ما يبيحه العرف العام'.
وكانت لجنة حقوق الطفل في مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، طالب الأردن العام الماضي بإلغاء هذه المادة، كما كانت اللجنة الوطنية لشؤون المرأة طالبت هي الاخرى بإلغاء هذه المادة، فيما عقد المجلس الوطني لشؤون الأسرة مؤتمرا العام الماضي لمناقشة هذه المادة تحديدا.
ورغم مطالبات المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني بتعديل المادة، فان مسودة قانون العقوبات المعدل لم تتضمن أي تعديل على هذا البند.
مقابل ذلك، ينص قانون العقوبات الحالي، على عقوبة مشددة بحق من يضرب طفلا أو امرأة ضربا يفضي إلى الموت، إذ تنص المادة 330 من القانون على: 'من ضرب او جرح أحداً بأداة، ليس من شأنها أن تفضي إلى الموت، أو أعطاه مواد ضارة، ولم يقصد من ذلك قتلا قط، ولكن المعتدى عليه توفي، متأثراً بما وقع عليه، عوقب الفاعل بالأشغال الشاقة مدة لا تنقص عن سبع سنوات'.
ويكون الحد الأدنى للعقوبة 12 سنة، إذا وقع الفعل على من لم يكمل 15 من عمره، أو على أنثى مهما بلغ عمرها.
لكن الاشكالية، بحسب ناشطين في حقوق الطفل، تكمن في بند اسقاط الحق الشخصي، اذ غالبا ما تعمد الأسرة إلى اسقاط الحق الشخصي في مثل هذه الجرائم، لتنخفض العقوبة من 12 عاما إلى 6 اعوام.
ويرى خبراء أن الحكم ببضع سنوات على مرتكبي العنف القاتل ضد الأطفال داخل الأسرة، حتى وإن كان بغطاء قانوني عبر استخدام إسقاط الحق الشخصي، 'يتفق وكونه شكلا من أشكال الإفلات من العقاب'.