جراءة نيوز - اخبار الاردن-كتب المحامي الدكتور ليث نصراوين :
مع بدء اجتماعات الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة السابع عشر، ستجرى انتخابات رئاسة مجلس النواب، وهي الانتخابات التي اجتاحت حماها أروقة المؤسسة التشريعية، إذ انشغل السادة النواب خلال الفترة الماضية في التكتل والتجمع مع بعضهم البعض لغايات انتخاب رئيس المجلس وأعضاء المكتب الدائم. وقد أسفرت هذه التجمعات النيابية عن تآلف عدد من الكتل مع بعضها البعض مشكلة إئتلافات نيابية، وهو ما سيستتبع بالضرورة إخراج المعركة الانتخابية من الاطار الكتلوي إلى إطار الائتلافات والتحالفات النيابية وذلك بغية اقتسام الغنائم في الانتخابات القادمة لرئاسة المجلس وتوزيع مقاعد المجلس الدائم.
إن هذه المجريات في مجلس النواب تعد خروجا عن الأعراف والتقاليد الدستورية المعمول بها في الأنظمة الديمقراطية النيابية الخاصة بانتخاب رئيس المجلس المنتخب. فالأصول الدستورية المتعارف عليها فيما يتعلق برئاسة مجلس النواب تقوم على ضرورة اختيار رئيس محايد مستقل عن أي تكتلات حزبية أو نيابية داخل المجلس، ذلك أن طبيعة عمل رئيس مجلس النواب والتي تتمثل في إدارة شؤون الجلسات وتنظيم الكلام والمناقشة تتطلب منه الحيادية والاستقلالية عن كافة الإنتماءات والأيديولوجيات السياسية داخل المجلس النيابي.
أما وأن يصل رئيس مجلس النواب إلى سدة الرئاسة من خلال دعم حزب سياسي أو كتلة نيابية أو حتى ائتلاف فإنه سيجعل من ذلك الرئيس أسير الكتلة أو المجموعة النيابية التي يعود لها الفضل في ترؤسه لمجلس النواب، وهذا ما سيؤثر حتما على حياديته النيابية واستقلاليته في التعاطي مع أعمال وظيفته، والتي يصل مداها إلى حسم أي تصويت داخل المجلس تتساوى فيه الأصوات وذلك باعتباره صوت الترجيح الذي سيكون بلا شك متأثرا بموقف كتلته النيابية أو حزبه السياسي.
إن هذه الحقيقة يجهلها أعضاء مجلس النواب الأردني الذين نراهم هذه الأيام يتدافعون كتلا ومرشحين نحو استغلال نظام الكتل النيابية وتكريسها لصالح أحد المرشحين عن غيره بغية إيصاله إلى رئاسة المجلس. فهذه الكتل النيابية إذا ما كتب لها العمر المديد بعد انتخابات الرئاسة سيكون لها تأثير سلبي على حيادية الرئيس القادم لمجلس النواب. كما أنها ستعطي باقي النواب ذريعة للهجوم على الرئيس الجديد ومحاربته بحجة محاباته لأعضاء كتلته التي فاز عنها على حساب باقي السادة النواب. فالرئيس السابق للمجلس سعد هايل السرور وعلى الرغم من فوزه بالانتخابات الرئاسية السابقة كمرشح مستقل لا يدين بالفضل لأي كتلة نيابية، إلا أنه قد تعرض لهجوم شرس في العديد من المناسبات أثناء جلسات المجلس السابقة بتهمة المحاباة والتمييز في إعطاء الفرص في الكلام بين السادة النواب.
إن أعرق الديمقراطيات النيابية تشترط في رئيس مجلس النواب الحيادية التامة كشرط أساسي لشغله ذلك المنصب. ففي بريطانيا مثلا، يشترط في رئيس مجلس العموم المنتخب أن يعلن قبل تبؤه كرسي الرئاسة عن تخليه عن ولائه الحزبي لأي من الحزبين الكبيرين في البرلمان البريطاني وذلك لضمان عدم تأثير انتمائه الحزبي على أدائه كرئيس للمجلس المنتخب. وهذا ما حصل عام 2009 مع الرئيس جون بيركو الذي ينتمي إلى حزب المحافظين والذي صرح عقب فوزه في انتخابات الرئاسة أنه سيضع رؤاه السياسية وانتمائه الحزبي جانبا، وسيتوخي الحياد في عمله. وحتى بعد انتهاء ولايته الرئاسية، فإن رئيس مجلس العموم البريطاني يجب أن يلتزم الحيادية السياسية، وأن يمتنع عن إظهار أي انتماء لأي حزب سياسي، حتى إلى الحزب الذي فاز عنه في الانتخابات التشريعية. وإذا ما جرى تعيين ذلك الرئيس في مجلس الأعيان، فإنه يحظر عليه العضوية في أي حزب سياسي.
كما أن قواعد الترشح لمنصب رئيس مجلس العموم البريطاني تضمن عدم تأثير الخلفية السياسية الحزبية على شخص الرئيس، حيث يشترط فيمن يرغب في الترشح لرئاسة المجلس أن يسميه على الأقل إثنا عشر نائبا في المجلس، على أن يكون من بينهم ثلاثة على الأقل من الأحزاب السياسية الأخرى لتلك التي ينتمي إليها المرشح.
ولا تقتصر الأمور عند هذا الحد في النظام الدستوري البريطاني، بل أن قانون الانتخاب البريطاني يخصص مقعدا نيابيا خاصا لرئيس المجلس إذا ما قرر إعادة ترشحه في الانتخابات النيابية التي تليها، إذ يسمى ذلك المقعد بمقعد 'الرئيس السابق الذي يسعى إلى إعادة انتخابه'، حيث جرت العادة الدستورية في بريطانيا أن تمتنع الأحزاب السياسية الكبرى عن منافسة الرئيس السابق المرشح على ذلك المقعد النيابي، لتنحصر المنافسة بين الرئيس السابق ومرشحي أحزاب سياسية صغيرة لا فرصة لهم بالفوز في الانتخابات. وهذا ما حدث مؤخرا عام 2010 عندما قرر الرئيس السابق لمجلس العموم البريطاني جون بيركو الترشح للانتخابات التشريعية عن المقعد المخصص للرئيس السابق الذي يسعى إلى إعادة انتخابه، حيث فاز بالانتخابات النيابية بكل سهولة، وحصل على ما نسبته (50%) تقريبا من عدد أصوات الناخبين في تلك الدائرة الانتخابية، واستمر في رئاسته لمجلس العموم لفترة رئاسية ثانية.
إن على السادة النواب في البرلمان الأردني أن يتوقفوا عن استخدام الكتل النيابية مطية لإيصال نائب معين إلى رئاسة المجلس وذلك من أجل عدم إفراغ الكتل النيابية من دورها البرلماني المرجو منها، ولضمان تحقيق المساواة وتساوي الفرص فيما بينها بحيث لا يتم محاباة الكتلة التي أفرزت رئيس المجلس وتفضيلها على باقي الكتل، وأيضا للمحافظة على استقلالية الرئيس وتمكينه من القيام بمهامه الرئاسية بكل حيادية وموضوعية، بحيث لا يكون مدينا خلال فترة رئاسته لأي تجمع نيابي مما قد يفرض عليه أمورا تتعارض مع طبيعة عمله كرئيس محايد لمجلس النواب الأردني.