جراءة نيوز - اخبار الاردن :
تحولت طرق مناطق العيص، والمنصورة، والحمة السمرا، ووادي زيد، والعين البيضاء،لمستنقعات مائية نتيجة ما يعانيه وسط الطريق من حفر حوّلتها الأمطار إلى بحيرات، بفعل انسداد قنوات تصريف مياه الأمطار، وما زاد الطين بلة، أوساخ ونفايات وأتربة وحجارة، حملتها معها السيول الصغيرة، ما يبرهن تلكؤ مديرية الاشغال وإهمال تنظيف المجاري، وتهرّب البلديات وسلطة المياه من فعل الصواب، كلّ ذلك، «يبشّر» بشتاءٍ موحل، وزحمة سير، وبحيرات ومستنقعات في الشوارع.
هذا ما فعلته الساعات الماضية، حيث حوّلت الأمطار الشوارع والطرق في الطفيلة إلى بحيرات اصطناعية عائمة، كما حصل في منطقة التطوير الحضري في العيص، ومنطقة المنصورة، والحمة السمرا، وأخرى على طرقٍ في العين البيضاء.
التخوّف عينه يتكرّر كلّ سنة، يقابله حديث وتطمينات لا يتوانى المسؤولون عن الإدلاء بها، واعدين المواطنين بشتاء آمن وخال من أفخاخ المستنقعات، وعدٌ أشبه بخريف، كالوعود التي لم تنفك مديرية الاشغال والبلدية وسلطة المياه عن إطلاقها، بينما المشاهدة الميدانية لا توحي بالكثير من التفاؤل مع كثافة الحفريات والمشاريع البراقة وغير المجدية والموزّعة على مفاصل الشوارع الرئيسة ومخارجها، والممتدة من المنصورة حتى منطقة عيمة، ومن وادي زيد حتى العين البيضاء.
المعنيون متفقون على أنّ أمن الطرق مستتب، لكن الأمطار فرضت حقيقة الأمر، وما ليس بالحسبان.. فمنذ سنوات، والمواطنون، خصوصاً مع بداية فصل الشتاء، يعرفون أنّ مديرية الأشغال العامة والبلديات عملتا على تأليف لجنة طوارئ لتفادي المشكلة المحتّم وقوعها بسبب الحفريات غير المنتهية وعدم تنظيف المجاري من العوائق والأتربة لتصبح جاهزة بأقل أضرار ممكنة.
وعلى الرغم من أن البلديات تحاول وبالقدر المتوفر وغياب الأموال أن تعدّ العدّة لتطويق «الضيف الماطر» وتصريف سيوله، خصوصاً في المناطق التي لم تستكمل فيها المشاريع، لم يجر تنظيف أقنية تصريف مياه الأمطار والمسارب، فداهمتها الأمطار سريعاً كما حصل في منطقة التطوير الحضري في العيص شمالي الطفيلة.
تلك المشاريع التي قد تنحرف عن هدفها المتمثّل في تأمين السلامة المرورية على المدى الطويل، لتتحوّل إلى مصدر للزحمة و»سمّة البدن اليومية»، على الرغم من تجاهل اعتماد الجهات الرسمية في المحافظة التأمينات المناسبة والتحويلات اللازمة للتخفيف من الأزمة المتوقّعة، أزمة تمهّد لها أكوام الردميات والأتربة والنفايات التي تسدّ المجاري.
صرخة
إذاً، الصرخة لم تُطلق بعد والشتاء لم يرحل عن سماء الطفيلة، ومع ذلك، فالاستعدادات لم تجر على قدم وساق، مديرية الأشغال لم تقف بالمرصاد حيال أقنية سدّتها الأوساخ والردميات، والبلديات عاجزة عن استنفار موظفيها لتنظيف الشوارع الداخلية والزواريب لعدم توفر المال اللازم والتقنيات اللوجستية، والأهالي في حال تأهب لاستقبال ضيف موسمي غير طارئ قد يكون ثقيلاً ودخيلاً على بعضهم، المجاري وإن بدأ تنظيفها في الأسبوع الأول من دون رقيب، تعود وتجتاحها الأوساخ في اليوم التالي، وما يزيد من المصيبة، سرقة أغطية المناهل في وضح النهار.
طرق عائمة
طرق تسبح بالمياه وتعوم فيها السيارات، ومواطن لا يعرف من أيّ مكان يأتيه «حمّام المياه» الصباحي، مشهد اعتاد عليه المواطن الطفيلي في الامطار والثلوج الاخيرة على المحافظة أثناء تنقله في الشوارع التي تملؤها لافتات دائرية صفراء تحمل عبارة «انتبه مديرية الأشغال..أشغال بلدية..نأسف لإزعاجكم..طريق مغلقة .. تحويلة على بعد 100 متر» تكاد تصبح جزءاً لا يتجزأ من الطرق، والمرافق الصباحي والمسائي للمواطن على طريق عمله.
حفريات هنا وهناك تغيّر ملامح الشوارع، وأتربة مكدّسة وورش تكاد لا تعرف السبيل إلى الانتهاء، وكما الحال في هذه الشوارع، فإنّ منطقة التطوير الحضري في العيص ألفت الغرق في وحول الشتاء وسيوله التي قد تدخل البيوت وتأتي على ما ومن فيها.
«الله يعيننا من غير الشتاء وبيوتنا متهالكة فكيف لما يدخل المطر على بيوتنا» ، هكذا تستقبل أم طارق السؤال عن تحضيراتها لاستقبال الأمطار.
أم طارق القابعة في منزلها في منطقة التطوير الحضري في العيص مع عائلتها المكوّنة من ستة أشخاص، تجيب وفي كلامها يتجلى الهمّ، حالها حال مئات العائلات القاطنة في المنطقة التي عانت من فيضانات تجتاح منازلها ذات الطبقات السفلية بمعظمها، والمحاطة بمجار غير صالحة، كانت وزارة الاشغال قد طرحت عطاء لعمل قناة لتصريف المياه قبل ثلاث سنوات لكن العمل متوقف فيها منذ اكثر من عام ونصف.
تقول أم طارق: «كلّ سنة، ومع أول شتوة، نجد أنفسنا عائمين على المياه، يطوف المنزل ولا يبقى فيه شيء من الأثاث إلاّ ويبتل بالماء والأتربة والأوساخ التي تجرفها السيول».
بعض الأهالي يتحدث عن الموضوع بضحكة ساخرة، فيقول احمد الوحوش : «انظر برك الامطار وصوّر، لتعرف الوضع ربما تحتاج إلى زورق لتتنقل به حتى تصل الى الشارع الرئيسي»، ويضيف قائلاً: «الدولة تحفر الطرق ولا تأخذ في حسبانها المواطنين، ونحن نغرق بالمياه وتمضي الأيام ونحن نضع الحرامات كمتاريس لتمتصها.. فمن يحمي عائلاتنا؟».
مدير الخدمات الهندسية في البلدية
يقول مدير الخدمات الهندسية في بلدية الطفيلة الكبرى المهندس أحمد القرارعة « لعلّ وجود مديرية الأشغال ميدانياً وبشكل مرافق لكل المشاريع، يضعها في الواجهة ويجعل منها المسؤول الأول عن كل ما يتعلق بالسلامة العامة على الطرق، أقلّه في أذهان المواطنين.
ويضيف القرارعة « إلاّ أن الالتباس يقع في تحديد تلك المسؤولية، فمديرية الاشغال هي المعني الأول في تنظيف اقنية تصاريف المياه على الطرق العامة لا على صعيد الطرق الداخلية، التي يعود أمر الاهتمام بها إلى البلديات، التي تطلب منها التدخل للمساعدة عند الضرورة «.
حفريات
إلى جانب مسألة الطرق العائمة التي لا تمثل العائق الوحيد أمام البلديات والاشغال العامة والمواطنين، تضاف مشكلة الحفريات التي تخلفها مشاريع تأهيل الطرق، كالمشروع القائم حالياً في منطقة المنصورة والعين البيضاء.
وفي هذا السياق يوضح مدير الأشغال العامة المهندس ياسين البدارين، أنّ هذه الحفريات فرضت ضرورة الإسراع في تنفيذ الدراسات والبدء بأعمال العطاء في تلك المناطق.
ويؤكد أن المشكلة ستقع إنما يجري العمل على تفاديها بأقل الأضرار الممكنة مع إيجاد التحويلات المناسبة، مشيرا إلى أنّ الحفريات الموجودة لا بد أنّ تؤدي إلى جرف الأتربة مع هطول الأمطار، وبالتالي إمكانية حدوث فيضانات في محيط العطاء، إلاّ أن مديرية الاشغال ستكون حاضرة دائماً لمعالجة الأضرار ومتابعة المستجدات ميدانياً.
وحول توقف العمل في مشروع التطوير الحضري في منطقة العيص يؤكد البدارين ان المشكلة لا زالت قائمة وان المشروع متوقف عن العمل بسبب اشكالية سابقة بين المقاول ووزارة الاشغال، حيث طرح العطاء من جديد وسيتم متابعته بعد انتهاء موجة الامطار الغزيرة التي شهدتها المحافظة.
أغطية المناهل
وإذا كانت النفايات والشبكة المهترئة والردميات أمراً طبيعياً اعتاد عليه ابناء الطفيلة مواطنين ومسؤولين، فإنّ ظاهرة سرقة أغطية اقنية المناهل أمر غير مألوف ويأتي ليزيد الطين بلّة، إذ أنّ ما يزيد عن عشرات الأغطية سرقت وفي وضح النهار وتبلغ كلفة الواحد منها نحو 300 دينار، ويؤدي غياب تلك الأغطية إلى إلحاق الضرر بالشبكة العامة، إذ أنها تبقى مكشوفة لتمتلئ بشتى أنواع الردميات، وبالتالي انسدادها، وظهور المياه بركاً ومستنقعات.
فصل خير وبركة
وقال محمد عبدالمجيد الحجاج: «من المؤكد أن الشتاء فصل خير وبركة، ينتظره ابناء الطفيلة بفارغ الصبر لا سيما مع تزايد موجة الجفاف وتغيير موازين المناخ، لكن من المؤكد أيضاً أن الكثيرين منهم يخشون أن تتحول النعمة إلى نقمة، بعد أن تعمّ الفيضانات بيوتهم ومنازلهم لتحوّلها إلى برك عائمة.
وإذا كانت «الثلوج الماضية» قد مرّت بأقل أضرار ممكنة، فإن الأهالي يتساءلون: لماذا يبقى الحال كما هو؟ سؤال يبقى برسم حجم الخير الذي تحمله الامطار هذا العام.