قررت روسيا الاحتفاظ بقواعدها في سوريا وأبرزها قاعدتا حميميم وطرطوس البحريتان، بحسب ما نقلت وكالة رويترز عن مصادر خاصة.
وفيما يتعلق بتسليم رئيس النظام المخلوع بشار الأسد، ذكرت الوكالة أن الجانب الروسي قال إن هذه المسألة لن تقبلها روسيا، بالإضافة إلى أنها لم تتلق طلباً لتسليم الأسد من قبل الإدارة السورية الجديدة.
وفيما يلي تقرير رويترز الكامل، والذي يتضمن نقاطاً حول ديون نظام المخلوع وسعي الرئيس السوري أحمد الشرع لعدم الالتزام بها، لأن نظام المخلوع هو من كبّل سوريا بها:
لسنوات، كان جنود قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا يتجولون بحرية في المدن الساحلية. وكانت الطائرات الحربية تنطلق من المجمع لقصف الثوار الذين يقاتلون نظام بشار الأسد القمعي.
ولكن مع رحيل الأسد، تقوم الآن مجموعات صغيرة من الحراسالتابعين للادارة السورية الجديدة بحراسة مداخل قاعدة حميميم وقاعدة طرطوس البحرية الروسية التي تعود إلى الحقبة السوفيتية على بعد 60 كيلومتراً إلى الجنوب.
وقال حراس لمراسلي رويترز الذين زاروا المنطقة الأسبوع الماضي إنهم يرافقون أي قوافل روسية تغادر المنطقة. وقال أحد الحراس الذي رفض التحدث علنًا: ”عليهم إخطارنا قبل أن يغادروا".
ويبقى مستقبل القواعد، التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من الوجود العسكري الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا، في يد الرئيس السوري أحمد الشرع.
ومن المرجح أن تبقى القاعدتان على الأرجح في سوريا مقابل دعم دبلوماسي وتعويض مالي من روسيا، التي كانت منخرطة بعمق في الاقتصاد والدفاع في سوريا لسبعة عقود قبل أن تنضم إلى الحرب الأهلية في عام 2015 وتتسبب في دمار ساعد على إبقاء الأسد في السلطة لسنوات.
في ديسمبر سقط الأسد وهرب إلى روسيا عبر قاعدة حميميم الجوية. والآن تنخرط الإدارة السورية الجديدة – التي كانت هدفًا للضربات الجوية الروسية المستمرة – في مفاوضات مع موسكو.
من أجل إعداد هذا التقرير، تحدثت رويترز إلى ثمانية مصادر سورية وروسية ودبلوماسية قدمت تفاصيل لم تُنشر من قبل عن أول اجتماع رفيع المستوى بين الشرع ومبعوث أرسله الرئيس فلاديمير بوتين، بما في ذلك مطالب تتعلق بديون بمليارات الدولارات، ومستقبل الأسد، وإعادة الأموال السورية المزعومة المحتجزة في روسيا.
وكما هو الحال مع مصادر أخرى في القصة، طلبت المصادر عدم الكشف عن هويتها للتحدث عن أمور حساسة.
إن تنحية العداء جانباً يفيد كلا الجانبين. على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة خففا بعض العقوبات المفروضة على سوريا، إلا أن القيود المتبقية تجعل من الصعب التعامل التجاري مع البلد الذي مزقته الحرب وأفقر 23 مليون شخص.
ويمكن أن تشكل استعادة الإمدادات الروسية التقليدية من الأسلحة والوقود والقمح شريان الحياة. وقال دبلوماسي مقيم في دمشق لرويترز إن قادة البلاد على استعداد ”لصنع السلام، حتى مع أعدائهم السابقين".
وتقول آنا بورشيفسكايا من معهد واشنطن: ‘لا يزال لدى موسكو ما تقدمه لسوريا، وهي قوية وراسخة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها.
وأضافت: ‘تحتاج روسيا ببساطة إلى حكومة في دمشق تضمن مصالحها، وستكون مستعدة لإبرام اتفاق مع مثل هذه الحكومة’. وقال مصدر في الأمم المتحدة للمساعدات إن روسيا لم تصدّر الحبوب إلى سوريا في ظل الإدارة الجديدة.
ولم يتحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كثيرًا عن سوريا منذ توليه منصبه، لكنه سعى لإصلاح العلاقات الأمريكية مع موسكو. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن رحيل الأسد يوفر فرصة لسوريا ”لوقف هيمنة النفوذ الإيراني أو الروسي وزعزعة استقرارها".
لكن إسرائيل حليفة الولايات المتحدة تريد أن تظل روسيا حصنًا ضد النفوذ التركي، حسبما ذكرت وكالة رويترز للأنباء يوم الجمعة.
لقاء الشرع-بوغدانوف
وقال مصدران لرويترز إن الشرع سعى خلال الاجتماع الذي عقد في 29 يناير/كانون الثاني في دمشق إلى إلغاء القروض المبرمة مع روسيا في عهد الأسد. وقال وزير المالية محمد أبازيد الشهر الماضي إن سوريا التي كانت خالية إلى حد كبير من الديون الخارجية قبل الحرب لديها حاليا التزامات خارجية تتراوح بين 20 و23 مليار دولار دون تحديد حجم الديون المستحقة لروسيا.
وقال أحد المصادر إن المسؤولين السوريين أثاروا خلال اللقاء الذي استمر ثلاث ساعات مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف قضية رئيسية أخرى، وهي عودة الأسد إلى سوريا، ولكن بشكل عام فقط، مشيرين إلى أنها ليست عقبة كبيرة أمام إعادة بناء العلاقات. وقال مصدر روسي رفيع المستوى إن روسيا لن توافق على تسليم الأسد، ولم يُطلب منها ذلك.
ودعا الشرع أيضا إلى إعادة الأموال السورية التي تعتقد حكومته أن الأسد أودعها في موسكو، لكن الوفد الروسي بقيادة نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف نفى وجود مثل هذه الأموال، وفقا لدبلوماسي مقيم في سوريا مطلع على المحادثات.
وفي بيان صدر بعد الاجتماع، قالت الحكومة السورية إن الشرع أكد على ضرورة معالجة الأخطاء السابقة في العلاقات الجديدة، وطالب بتعويضات عن الدمار الذي أحدثته روسيا. وقالت جميع المصادر إن الاجتماع سار بسلاسة نسبية. ووصف الكرملين المكالمة الهاتفية التي جرت بين الشرع والرئيس الروسي فلاديمير بوتن قبل أسبوعين بأنها كانت بناءة .
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف ردا على سؤال من رويترز يوم الثلاثاء عما إذا كانت المحادثات بين موسكو ودمشق بشأن مصير القواعد العسكرية الروسية تتقدم: "نحن نواصل اتصالاتنا مع السلطات السورية”.
وأضاف "حسنًا، دعونا نقول فقط إن عملية العمل جارية”.
وقال سيرغي ماركوف، المستشار السابق للكرملين، هذا الشهر إن الأمور تبدو جيدة بالنسبة لموسكو.
وكتب على تليغرام: "السلطات السورية الجديدة لا ترى في روسيا دولة معادية. لكن سيتعين على روسيا أن تفعل شيئًا مفيدًا للحكومة السورية مقابل هذه القواعد”.
المصالح السورية
وفي مقابلة مع قناة العربية الإخبارية السعودية في أواخر كانون الأول/ديسمبر، أقر الشرع بـ "المصالح الاستراتيجية” لسوريا مع روسيا، التي زودت الجيش المنحل في البلاد لأجيال، ومولت محطات الطاقة والسدود إلى جانب البنية التحتية الرئيسية الأخرى.
في المقابل، مع وجود القوات الأميركية في شمال شرق سوريا، والقوات التركية في الشمال والقوات الإسرائيلية الجديدة في جنوب سوريا، فإن روسيا مصممة على الحفاظ على قاعدتها البحرية الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط.
ومن شأن هذا أن يساعد موسكو على الاحتفاظ بالنفوذ السياسي في خضم الصراع الدبلوماسي على النفوذ على دمشق بعد سقوط الأسد.
أجرى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونظيره التركي محادثات في أنقرة يوم الاثنين. وقال مصدر تركي إن المحادثات شملت سوريا. ولم ترد وزارة الخارجية التركية على طلب التعليق.
وتطالب دمشق بتعويضات عن الدمار الذي خلفته الحرب. ومن المتوقع أن تبلغ تكاليف إعادة الإعمار 400 مليار دولار، وفقاً للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا).
وقال مصدر مطلع على وجهة نظر روسيا في هذا الشأن إن من غير المرجح أن تقبل موسكو المسؤولية، لكنها قد تعرض بدلا من ذلك المساعدات الإنسانية.
وفي كانون الأول/ديسمبر، عرض بوتن استخدام القواعد كمراكز لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري، وقال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا إن تحالف روسيا مع سوريا "ليس مرتبطا بأي نظام”. وقال مصدر مساعدات الأمم المتحدة إنهم لا علم لهم بنقل أي مساعدات عبر القواعد.
هل ستسلم روسيا الأسد؟
إن مصير الأسد ورفاقه الذين فروا إلى موسكو مسألة حساسة. وتقول المصادر الروسية والدبلوماسية إن روسيا لا تزال تعارض تسليم الأسد، وتصر على الاستمرارية في تحالفاتها.
وقال المصدر الروسي الكبير "إن روسيا لا تتخلى عن أشخاص لمجرد أن الرياح تغير اتجاهها”.