آخر الأخبار
  رئيس الوزراء يؤكِّد دعم الحكومة للتوسُّع في الاستثمارات القائمة في مدينة السَّلط الصناعيَّة لزيادة فرص العمل   المياه: مشروع الناقل الوطني بمرحلة مفاوضات مع المناقص   "حزب الله" يوضح بشأن تشييع الأمين العام للحزب حسن نصر الله   توضيح أمني بخصوص تسجيل صوتي يدّعي وجود كاميرات على شارع الـ100   قمة أردنية قبرصية يونانية في نيقوسيا   إيعاز فوري التنفيذ صادر عن وزير الداخلية مازن الفراية   توضيح مهم بشأن نظام التوجيهي الجديد في الأردن - فيديو   قرار حكومي جديد بخصوص "سيارات الهايبرد"   زراعة إربد: زيادة إنتاج زيت الزيتون بنسبة 20%   هام لمستخدمي "باص عمّان" - مسارات جديدة وتعديل على الرسوم الخاصة بها   العيسوي يلتقي وفدا من أبناء عشائر قلقيلية بالأردن   تنويه وتوضيح حكومي هام بخصوص "العمالة الوافدة" في الاردن   تفاصيل حالة الطقس حتى السبت .. وتحذيرات هامة للأردنيين   هل عودة ترامب تعتبر "بشارة خير" للأردن؟ باحث بريطاني يجيب ..   قرار حكومي بخصوص أسعار الخبز في المملكة   فصل التيار الكهربائي عن مناطق في الأردن الأسبوع المقبل   ضبط سائق "تريلا" غير مرخص يقود بطريقة متهورة   إيعاز مهم من وزارة التربية للمدارس   البنك الدولي يخصص 7.5 مليون دولار لتعزيز إدارة الإصلاح في الأردن   الأمن العام ينشر جدول الترخيص المتنقل في البادية

هل ستشعل غزة جبهات الشرق الأوسط؟

{clean_title}
القوى الأساسية في المنطقة لا تريد أن يمتد الصراع إلى أجزاء أخرى، لكنها عالقة في مواقف قد تقودها نحو الاتجاه المعاكس. فقد أصبح مختلف الفرقاء في هذا النزاع مُكبلين بمواقفهم المتصلبة التي أقرنوها بمبررات أخلاقية، بحيث يبدو هامش التراجع وتقديم التنازلات ضيقا للغاية.


* * *
إذا تطايرت شرارات الحرب على غزة إلى لبنان، فهل سيصبح الصراع الإقليمي أمرًا واقعًا لا مفر منه؟ مع أن جميع الأطراف البارزة المنخرطة في النزاع تقريبًا لا ترغب في حدوث تصعيد والانزلاق إلى مواجهة إقليمية أوسع، فإنها تتبنى مواقف ستضمن عمليًا حدوث ذلك، إذا بقيت ثابتة عليها.
وقد نقلت بعض المصادر، أن الحكومة الإسرائيلية تحشد قواتها استعدادًا لتوغل بري في غزة، وهو ما سيكون من شأنه أن يغير الطبيعة الكامنة للصراع. فبعد أن أمرت إسرائيل سكان شمال غزة بالمغادرة نحو جنوب القطاع، يبدو أنها تطبق استراتيجية تعمد بموجبها القوات الإسرائيلية تدريجيًا إلى حشر حماس في زاويةٍ من غزة، كما فعلت إلى حد بعيد مع منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت الغربية في العام 1982، بينما تطلق بالتوازي مسارًا تفاوضيًا لإجلاء قياداتها. ويكاد يكون من المؤكد أن هذا التطور سيدفع حزب الله إلى فتح جبهة شمال إسرائيل والجولان، كما أشار وزير الخارجية الإيراني في بيروت يوم الخميس.
وإذن، بأي طريقة يمكن أن يمتد هذا النزاع إلى سائر الشرق الأوسط؟ فلنتخيل أحد السيناريوات؛ حيث تواجه حماس تهديدًا وجوديًا لا رجعة فيه في غزة. ونتيجة لذلك، تُقدِم إيران وحزب الله على إشعال جبهتَي لبنان والجولان لتشتيت جهود إسرائيل. وقد تدعوان أيضًا الميليشيات العراقية إلى الانتشار في سورية أو لبنان دعمًا لحزب الله، ولا سيما أن هذه الميليشيات كانت تتحضر تحديدًا للتدخل في لحظة كهذه. وقد تدفع هذه الخطوات إسرائيل إلى قصف هذه القوات في سورية، وربما حتى في داخل العراق. لكن الأمر الأهم بالنسبة للإيرانيين هو وجود القوات الأميركية على طول الحدود السورية العراقية، واحتمال تدخلها لمنع الميليشيات العراقية -أو حتى الإيرانيين أنفسهم- من تعزيز حزب الله عسكريا. وما يقلق طهران بالقدر نفسه هو أن الولايات المتحدة أرسلت مجموعتَين من حاملات الطائرات إلى شرق البحر المتوسط، في رسالة ردع من إدارة بايدن مفادها أنها لن تسمح لما يُعرف بـ"محور المقاومة" بتوسيع دائرة الحرب على إسرائيل. وقد صرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، بقوله: "إننا نوجه رسالة قوية وواضحة، هي أن الولايات المتحدة مستعدة لاتخاذ إجراءات إذا فكرت أي جهة معادية لإسرائيل بمحاولة التصعيد أو توسيع نطاق هذه الحرب".
وهكذا، تبدو جميع المكوّنات جاهزة لإشعال انفجار كبير في الشرق الأوسط: فالحكومة الإسرائيلية تنوي إنهاء وجود حركة حماس في غزة؛ ومحور المقاومة سيتدخل على نحو شبه مؤكد من الجبهتَين اللبنانية والسورية للحفاظ على قوة الردع وحماية حماس التي تشكل رصيدًا سياسيا وعسكريا مهما لإيران في المنطقة؛ والولايات المتحدة تبدو عازمة على الدفاع عن إسرائيل مهما كان الثمن، ما يعني أن إيران قد تُضطر إلى الانخراط بشكل مباشر في الصراع للحفاظ على نفوذها الإقليمي.
ولكن، إذا كان الخيار في يد إيران، فسوف تفضل على الأرجح عدم جر حزب الله إلى حرب ضد إسرائيل والولايات المتحدة، لأن هذه الخطوة سيكون من شأنها أن تُضعف بشكل كبير الوكيل الإقليمي الأساسي لطهران. كما أن أحدًا لا يأتي أبدًا على ذكر المشهد اللبناني الداخلي، ولكن إذا تعرض لبنان للدمار، وهو ما سيحدث بالتأكيد، فقد تهتز بشدة هيمنة حزب الله على الساحة الوطنية. وقد تؤدي هذه النتيجة، مقرونةً بهزيمة حماس في غزة، إلى وضع يخسر فيه محور المقاومة الكثير من المكاسب التي حقّقها خلال العقد المنصرم، حتى لو لم يُهزَم بشكل حاسم.
ومن جهتها، لا يبدو أن إسرائيل متحمسة بدورها لتوسيع رقعة الحرب الدائرة وفتح الجبهة الشمالية، ناهيك عن خوض معركة مع إيران. فهي تصب تركيزها راهنًا على القضاء على حماس. ولكن، إذا شعر الإسرائيليون بأنهم سيتلقون دعمًا عسكريًا من الأميركيين، فمن غير المستبعد أن يبذلوا كل ما في وسعهم لمحاولة التصدي لمشاكلهم مع حزب الله وإيران، شريطة أن يتجاوز الحزب الخطوط الحمراء المقبولة على الجبهة الشمالية، من خلال قصف المدن الإسرائيلية وأهداف استراتيجية. لكن المخاطر التي ينطوي عليها هذا الخيار كثيرة. فقد تتعرض إسرائيل إلى دمار كبير وخسائر بشرية هائلة، ومن المرجح جدا، وهذه النقطة هي الأهم، ألا يتمكن أي من الجانبَين من تحقيق نصر واضح.
وماذا عن الولايات المتحدة؟ يبدو أنها مُصممة بدورها على تفادي اندلاع حرب إقليمية. فإدارة بايدن لا تختلف عن إدارتَي أوباما وترامب من حيث رغبتها في تجنب خوض مغامرات عسكرية جديدة في الشرق الأوسط، ولا سيما أنها على أعتاب عامٍ انتخابي. لكن مؤازرة إسرائيل هي خطوة تحظى بالشعبية في أوساط الأميركيين، ولا سيما حين يعتبرون أنها تواجه اليوم تهديدًا وجوديًا. ولذلك، في حال أقدم الإيرانيون ووكلاؤهم على توسيع رقعة الحرب على إسرائيل لإضفاء المصداقية على المواقف التي أسروا أنفسهم فيها، سوف تضطر الولايات المتحدة عندئذ إلى شن هجمات عليهم لإضفاء المصداقية على الموقف الذي أسرت نفسها فيه هي الأخرى.
هل من مسار دبلوماسي للخروج من هذه المعمعة، ومن هو القادر على توفيره؟ تصعب معرفة ذلك. فقد أصبح مختلف الفرقاء في هذا النزاع مُكبلين بمواقفهم المتصلبة التي أقرنوها بمبررات أخلاقية، بحيث يبدو أن هامش التراجع وتقديم التنازلات أصبح ضيقًا للغاية. ولكن، على الرغم من ذلك، في وسع دولتَين عربيتَين الاضطلاع بأدوار مهمة على الأرجح، هما: قطر، التي يمكنها التوسط في نقل الرسائل بين الأميركيين (والإسرائيليين، من خلالهم) والإيرانيين؛ ومصر، التي ستؤدي دورًا بارزًا في أي مجهود يهدف إلى رسم معالم نظام سياسي جديد لغزة يحظى بقبول إسرائيل.
ولكن، في الوقت الراهن، ربما ما يزال كل هذا الحديث سابقًا لأوانه. وثمة مسارات بديلة يمكن أن يسلكها الفرقاء لتفادي التورّط الكامل في الحرب. باستطاعة حزب الله وحلفاء إيران الآخرين حصر عملياتهم بالمنطقة الحدودية الواسعة، لتقييد القوات الإسرائيلية، وإنما من دون تجاوز عتبة الخطوط الحمراء من خلال قصف أهداف استراتيجية ومدن إسرائيلية. أو، في حال عمدت إسرائيل إلى التوغل في غزة بشكل تدريجي، وبالتوازي مع إجراء مفاوضات، قد يزيد التفاعل بين المفاوضات والمكاسب العسكرية التدريجية على إيران صعوبة تقويض هذه العملية من خلال توجيهها حزب الله بدخول الحرب. أو أيضًا، بإمكان حزب الله أن ينتظر ويشاهد أداء حماس في غزة، وإذا رأى أنها قادرة على الصمود، فقد يقرر خفض سقف الرد على إسرائيل، وتفادي السيناريو الأسوأ.
يبقى هذا النقاش نظريًا إلى حين دخول القوات الإسرائيلية إلى غزة، لأن كل طرف يترقب ما سيفعله الطرف الآخر. وربما يكون ما نشهده الآن هو مجرد الهدوء الذي يسبق العاصفة. فلنأمل إذن التوصل إلى طريقة لكبح جماح هذه العاصفة قبل أن تجرف في طريقها المنطقة ومن فيها.

*مايكل يونغ: محرر مدوّنة "ديوان" ومدير تحرير في مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط.